ألم نقل لكم إن الاقتراب من ملف المعسكرات هو بمثابة الاقتراب من «اللحم الحي» لأزمة اقليم دارفور، فما إن تقترب من هذه المعسكرات حتى أن عدة جهات تذهب في عمليات صراخ وهياج، وذلك لأن القصة كلها تكمن وراء هذه المعسكرات، لدرجة الزعم بأن أزمة دارفور، أو قل ما بقي من مظاهر هذه الأزمة هو هذه المعسكرات، أزمة محبوسة داخل معسكرات، على أن تفكيك هذه الأزمة مربوط لدرجة كبيرة بتفكيك هذه المعسكرات، وأن الأزمة المعسكرات ما بقيت، فإن همو ذهبت معسكراتهم ذهبوا. فاقتراب الحكومة الأخير من ملف هذه المعسكرات جعل عدة جهات تصرخ، أعني الجهات المستفيدة من الحالة، أمد الأزمة التي أشهر معالمها هذه المعسكرات، ومن أشهر هذه الجهات ما يسمى ب«المنظمات الدولية»، وليس بإمكاني أن أقول قد صرح، ولكن قد «صرّخ» مفوض الشؤون الانسانية بالأممالمتحدة جون هولمز بأن السلطات السودانية قد منعت المنظمات الخمس ووكالات الأممالمتحدة من الوصول الى معسكر كلمة لإغاثة النازحين واللاجئين، واتهم السيد هولمز الحكومة السودانية بعرقلة عمل المنظمات لإغاثة أكثر من 80 ألف نازح لجأوا للمعسكرات بجنوب دارفور ودعا الحكومة للكف عن ما أسماه عرقلة وكالات الإغاثة، ووصف الأمر بما يشبه «إراقة الدماء» وقال إنه يشعر بقلق بالغ تجاه النازحين، ومن جانبها حذرت يوناميد من تناقص مخازن الأغذية. ومن جهتها حذرت حركة العدل والمساواة من محاولات الحكومة تفكيك وتفريغ المعسكرات من النازحين. وقال السيد أحمد حسين المتحدث باسم الحركة، أن هنالك مؤامرة حكومية لتفكيك المعسكرات وفرض العودة القسرية كمرحلة جديدة من مراحل الإبادة الجماعية! وقال الرجل لا فض فوه أن الحكومة بإقدامها على هذه الخطوة قد تعدت الخطوط الحمراء! وأضاف «إن عمليات تسليم شيوخ المعسكرات المحتمين باليوناميد ستفتح «أبواب جهنم»! وقال إن هذا يمثل خرقاً للقوانين الدولية. ولم يتسن لنا تسجيل ردة فعل المناضل عبدالواحد نور تجاه مسألة اقتراب الحكومة من ملف المعسكرات، وستكون ردة فعله هي الأعنف وذلك لكون المعسكرات هي المكان الوحيد الذي يمارس فيه أنصاره أنشطتهم بعد أن طردت هذه الحركة من معاقلها التاريخية. وحتى الحركات المجمعة والمصنعة في الدوحة هي الأخرى لا تقبل خطوات الحكومة في الاقتراب من ملف المعسكرات. ألم أقل لكم إن المعسكرات هي «اللحم الحي» لجسم هذه المؤامرة الكبيرة التي تشترك فيها المنظمات واليوناميد والحركات، وأن الجميع لا يحتملون أي عمليات في هذا الجسم، وأي فعل حكومي في أحد أعضاء المعسكرات ستتداعى له تلك الأعضاء من الجسد ما بين الاقليم وباريس والدوحة وجنيف وكل العواصم التي تستضيف المناضلين الدارفوريين، ستتداعى له بالسهر والحمى. وإن ثقافة المعسكرات لم تعد تحتاج لعبقرية، على أن القوم يحتبسون الأزمة في هذه المدن الاستيطانية الاستعمارية الجديدة؟!، بالله عليكم كيف أن حكومة محترمة على الأرض تقبل أن لا تكون لها كامل السيادة على أرضها؟، فلا يعقل أن مستودعاً كبيراً لهذه الأزمة كمعسكر كلمة الذي يستضيف أكثر من مائة ألف مواطن، لا يكون للحكومة فيه وجود، ومسموح فقط للحركات أن تمارس أنشطتها بين النازحين، فكلهم يرسخون لمفهوم واحد، هو أن الحياة خارج المعسكرات عبارة عن جحيم، وأن هنالك مؤامرة حكومية لتفريغ المعسكرات من ساكنيها وذلك «لإبادتهم جماعياً»!، ولنا مثل سوداني حصيف يقول «لو كان المتحدث مجنوناً فليكن المستمع عاقلاً»، كيف يمكن للحكومة أن تتربص بمواطنيها وتقتلهم بدداً ولا تغادر منهم أحداً! الحكاية كلها بسيناريوهاتها وإخراجها وعبقرياتها تكمن في دراما هذه المعسكرات، فإذا ما ذهب المواطنون الى ممارسة زراعتهم وحياتهم الطبيعية في قراهم، فإن هذه المنظمات لن تجد ما تفعله، وأن الحركات في المقابل لن تجد ما تقوله للفضائيات، وسوف لن تكون هنالك قضية اسمها أزمة دارفور.. والله أعلم.