الكاتب المصري الكبير الراحل/ أحمد بهاء الدين كان يجسد مدرسة الاستنارة والعقلانية في الإعلام العربي والمصري. ولم يهاتر أو يسب، وكان مثالاً للاتزان الصحفي.. كان قريباً من الحاكم ولكنه احتفظ بمسافة مناسبة بينه والحاكم، هذه المسافة أعطت الحاكم الاحترام الواجب، وأكسبت الكاتب احترامه لنفسه. كان أحمد بهاء الدين قريباً من عبد الناصر، ولكن بتحفظه المعهود لم يقترب من الرئيس كما اقترب هيكل. وفي بدايات عهد السادات وبعد إقصاء هيكل من موقعه المقرب من الرئاسة استعان السادات بأحمد بهاء الدين وموسى صبري وأنيس منصور. وظل بهاء ممسكاً بمسافة الاحترام بينه والرئيس في حين «اندلق» كل من موسى صبري وأنيس منصور إلى حضن السادات.. ربما لتوافق توجهاتهما مع نهج السادات التي كانا يضمرانها في عهد عبد الناصر. وجاءت القطيعة بين أحمد بهاء الدين والسادات عقب زيارة الأخير للقدس، ومع ذلك ظل بهاء يقود مدرسة الاستنارة والعقلانية والاتزان الصحفي. ما علاقة بهاء بفريق الزمالك وفريق الموردة السوداني، حتى نضعها عنواناً لهذا العمود؟ لعل الأمر حدث مطلع الثمانينيات عندما استضاف فريق الموردة الزمالك في لقاء الإياب بالخرطوم وفاز عليه وأقصى الفريق المصري من البطولة في مفاجأة داوية، بعد أن تعادل معه في مباراة الذهاب بالقاهرة. وأذكر أن المباراة كانت سجالاً قوياً بين الفريقين، واستطاعت الموردة ترويض الزمالك واقتلاع أنيابه، وقد شهدت المباراة أحداثاً لا تمت للخلق الرياضي من جانب فريق الزمالك، خصوصاً من كابتنه إبراهيم يوسف الذي فقد أعصابه واعتدى على أحد لاعبي الموردة بوحشية، مما أدى إلى طرده خارج الملعب. واحتج لاعبو الزمالك ورفضوا إكمال المباراة بعد أن فشلوا في مجاراة الموردة، وأطلق الحكم صافرته معلناً انتهاء المباراة وهزيمة الزمالك. عاد بعدها الزمالك إلى مصر ليشن حملة إعلامية ظالمة وواسعة على الجمهور السوداني والكرة السودانية وعلى التحكيم الإفريقي، وأعلن انسحابه من اللعب على الكؤوس الإفريقية، واصفاً المنافسات الإفريقية بالمهزلة. وكان أول من تصدى لهذا العبث الإعلامي الكاتب الكبير أحمد بهاء الدين الذي كتب عموداً شهيراً ينتقد فيه سلوك لاعبي الزمالك اللا أخلاقي في الخرطوم، وفضح فيه كل الممارسات. إنه درس بليغ من كاتب كبير، لم يترفع أن يمضي بقلمه بعيداً عن مضمار السياسة والاستراتيجية الذي ظل يكتب فيه لأكثر من نصف قرن، ويتصدى لأمر كروي لم يرَ فيه ما يقلل من فكره وقامته الصحفية، طالما هذا الأمر يجسد قيمة أخلاقية هي الصدق. هو درس يتعلم منه الصحافيون وكتاب الأعمدة.. درس مفاده أن المعيار الأخلاقي معيار واحد سواء في السياسة أو في كرة القدم.