إن لم تخنِّي الذاكرة، فإن سفارة الولاياتالمتحدةالأمريكية التي أُحتفل بافتتاح مقرها الجديد بضاحية سوبا جنوبالخرطوم منذ فترة قد تجاوزت مساحتها العشرين فدانا. وأفدنة عديدة أخرى لا أعرف على وجه الدقة عددها يشغلها مقر الأممالمتحدة بشارع الشهيد عبيد ختم بالخرطوم، وغير بعيد من هذا المقر فقد استقطع جزء كبير من مطار الخرطوم الدولي لصالح الأممالمتحدة وهي تجول «بالعرض والطول» في بلاد النيل والشمس والحركات المسلحة وغير المسلحة. وهنالك مئات الأفدنة قد خصصت لمعسكر (كلمة) وحده بولاية جنوب دارفور، وهو المعسكر الأضخم الذي يسكنه ما يقارب المائة ألف من النازحين، المعسكر الذي (يبرطع) فيه ما يسمى بالمنظمات الدولية، والتي تشهر الشعارات الإنسانية والإغاثية وتخفي أجندتها الأصلية التي هي تدور حول «إفشال وشل هذا البلد»، وذلك حتى يتسنى لواشنطن أن تعلن في إصداراتها الدورية التي تحررها وزارة الخارجية بأن هذا القطر فاشل وأن دولته فاسدة وغير صالحة! وذلك كما حدث منذ أيام مع دولتنا، حيث أصدرت واشنطن عبر دورياتها التصنيفية التي تحررها وزارة الخارجية، بأن دولة السودان تحتل المركز الثالث في منظومة الدول الفاشلة، وقد تفوقت علينا في هذا الفشل دولتا الصومال وأفغانستان على ما أذكر. وبالعودة الى ثقافة اتساع وانتشار أنشطة السفارات والمنظمات الأجنبية، ستجد في نهاية المطاف أن هذه الثقافة ستفضي بك إلى معادلة هائلة، «فكلما اتسعت أمكنة ومقارات وأنشطة هذه المنظمات في أي بلد، فكلمات تناقصت سيادة هذا البلد وتراجعت صلاحيات دولته». وهذا هو «مربط الفرس»، فإذا أراد «المجتمع الدولي» الذي هو واشنطن، وفي واشنطن هو «القوى الصهيونية»، إذا أراد أن يؤدب دولة «متمردة» على بيت الطاعة الدولي، فإنه يذهب أولاً بإنتاج «دراما الفوضى الخلاقة» التي تجعل هذا البلد مؤهلاً لاستقبال «المنظمات الأجنبية»، وليست لهذه الدولة من الأمر شيء، بمعنى أن المجتمع الدولي هذا سيستصدر من «الأممالمتحدة علينا» قراراً مجلجلاً يجعل طلائع «الاستعمار الجديد» تهبط على بلادك تحت لافتة أحد البندين الأشهرين، أعني البند السابع أو الثامن من بنود المنظمة الدولية وذلك حيثما تقتضي الحالة. وأضحت هذه المؤامرات مكشوفة، ولا تحتاج الى أي عبقرية لتكتشف أن جحافل هذه القوات والمنظمات التي تهبط على أية دولة هي بالأحرى لا تساعد أهلها لإقامة النظام، ولا تجعل الدولة تبسط سيطرتها على أراضيها، ولكنها ستجعل هذه الدولة أكثر فشلاً، ويغنيكم نموذج دولة العراق، فانظروا بعد كل هذه السنين من الاحتلال المباشر ما هي النتيجة؟، النتيجة هي أن ما يقارب «الخمسة ملايين» عراقي الآن ما بين قتيل وجريح ونازح وأسير، وأن دولة العراق الآن هي أكثر فشلاً من أي وقت مضى، ولازالت عناوينها الكبيرة موزعة بين التفجير والموت الطائفي وغير الطائفي، لدرجة لا تعرف من هو القاتل ومن هو المقتول، ومن هو الربحان ومن هو الخاسر، كما يعبر عن ذلك شاعرنا هاشم صديق.. أذّن الأذان وحا نصليك يا صبح الخلاص حاضر ونفتح دفتر الأحزان من الأول الى الآخر ونتساءل منو الكاتل منو المكتول منو الربحان منو الخاسر فلم تعد الولاياتالمتحدةالأمريكية في ظل هيمنتها الأحادية التي اعتمدت فيها ثقافة «قانون القوة» بدلاً عن قوة القانون، لم تعد مؤهلة أخلاقياً ولا ثقافياً لتقرر أن هذه دولة فاشلة وتلك غير فاشلة، ويجب على الدول الإسلامية التي حكم عليها بالفشل أمريكياً، يجب عليها أن تتباهى «بأن هذا الفشل والمذمة تصدر عن دولة ناقصة دين وأخلاق وأعراف»، وإذا عدنا لمقولاتنا التاريخية الإنقاذية «فإن رضا واشنطن منقصة أخلاقية ودينية»، قالها الرئيس كثيراً في صدر ثورته، «يوم أن ترضى عنا أمريكا نكون قد تنكبنا الطريق القويم»، وذلك مصداقاً لقول الله تعالى «وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ».. فهل نسيتم؟ فيجب علينا في ظل هذه الشهادات الأمريكية المزورة أن ننشط ذاكرة شعبنا وأن نحيي قيم مشروعنا وأن نبسط سيادتنا على أرضنا.. والطريق إلى هذا التحرر والانعتاق يبدأ من (كلمة).. (كلمة) المعسكر و(كلمة) السر الذي نعبر به إلى محطات الخلاص والتحرر.. والله أعلم.