لا تكاد تشاهد التلفزيون التشادي، وتتوغل في برامجها الثقافية والاجتماعية والاقتصادية حتى تعتريك الدهشة، وينتابك الاستغراب من التشابه الشديد بين الشعبين السوداني والتشادي، في جميع مناحي الحياة والعادات والتقاليد، والقيم والثقافات والحضارات والمُثل والأخلاقيات، وأشكال الناس وألوانهم، ولباسهم ومأكلهم ومشربهم وأنعامهم ومهنهم ومؤسساتهم المجتمعية، ونواديهم وجلساتهم وأسواقهم ورقصاتهم الشعبية، وأغانيهم وتراثهم ومعتقداتهم ومدائحهم النبوية وقيمهم الإسلامية ولغاتهم المختلفة ولهاجتهم المتنوعة التي تنطق بها ألسنتهم دون كلفة، وعاميتهم العجيبة التي يرسلون فيها أنفسهم على سجيتها فيفهما المثقف وغير المثقف، والمتعلم وغير المتعلم في المدينة.. والأمي في البادية، فضلاً عن اللغة العربية الفصحى التي تُبث في أجهزتهم الإعلامية جنباً إلى جنب مع اللغة الفرنسية، كما في السودان حيث تجد في القرى والريف السوداني بل المدن الريفية تتميز المجتمعات بنفس العادات والتقاليد والثقافات واللغات واللهجات المحلية مثل عربي جوبا الذي نجده في جنوب السودان والعربي غير المتكلّف الذي نجده لدى القبائل الغير عربية في كردفان ودارفور. فلا أُغالي إذا قلت، إنك إذا أمعنت النظر ودققت في هذه الثقافات المشتركة بين الشعبين تنسى بأنك تشاهد التلفزيون التشادي بل تعتقد أنك تشاهد الفضائية السودانية، فلا يذكرك ويعيدك إلى صوابك ويلفت انتباهك إلا عندما تنظر فترى في ركن الشاشة ذلك الطائر الجميل ذو التاج البديع الذي اتخذه التلفزيون التشادي رمزاً وشعاراً له.. حينها تفيق من دهشة هذا التشابه الممعن وتتذكر بأنك أمام برامج تبث في التلفزيون التشادي. هذا التشابه الشديد لا تجده مع أي دولة من دول الجوار وذلك يؤكد بجلاء أن هاتين الدولتين الجارتين قد انصهرت شعوبهما واختلطت عاداتهما وتزاوجت وتلاحق مجتمعاتهما منذ أمد بعيد، ثم تداخلت في بعضها بالهجرات والزيارات المتبادلة. فتجد في الحدود التشادية السودانية مجتمعات وأسر تربطهم صلات الدم والرحم بعضها في القرى الحدودية السودانية وبعضها في القرى الحدودية التشادية، وليس ذلك فحسب، فهذا التشابُّه القبلي والإثني لم يقتصر على المجتمعات الحدودية، بل لا تكاد تتوغل من السودان إلى داخل الأراضي التشادية حتى تشعر بأنك في الريف الكردفاني أو الدارفوري، ولا تكاد تتوغل من تشاد إلى داخل الأراضي السودانية في الوسط والشرق والغرب حتى تشعر كأنك في إنجمينا أو أبشي أو إقليم من الأقاليم التشادية. وإذا تحدثنا عن تفاصيل هذا التشابه وهذا التداخل القبلي والعشائري وشجاعتها ورقصاتها الشعبية وكرمها وهمتها العالية في السودان، هي نفس قبائل وعشائر المسيرية الموجودة في الريف التشادي تمارس حرفة الرعي والزراعة كما تمارسها في السودان مع اختلاف قليل في الرقصات الشعبية واللهجات المحلية.. وتجد كذلك قبلية الزغاوة منتشرة هنا وهناك في ربوع تشاد تمارس نفس المهنة التي تمارسها في السودان مع اختلاف قليل في العادات والتقاليد والثقافات والذي تغيّر بفعل المؤثرات البيئية نتيجة اختلاطهم بالمجتمعات والقبائل التشادية الأخرى التي هاجرت من بعض دول الجوار في غرب إفريقيا وكذلك تجد نفس قبائل البرقو والقُرعان والقُمر والفلاتة والهوسا والداجو والفور المساليت وبني حسين والبرتي والرزيقات وبني هلبا التي نجدها في السودان فهي منتشرة أيضاً في القرى والريف التشادي. وكذلك الإدارة الأهلية في تشاد تشبه كثيراً الإدارة الأهلية التي كانت مُعاشة في ستينيات وسبعنيات القرن المنصرم في السودان والتي كانت تتميز بالقوة والهيبة والمِنعة إذ أن رعاياها ومناديبها ينفّذون توجيهات وأوامر السلاطين والنُّظار بحذافيرها، الأمر الذي حقّق الأمن والاستقرار وإطفاء النيران التي تندلع في مهدها قبل أن تستفحل وتتفاقم وتؤدي إلى حروب أهلية وقبلية طاحنة. هذا التشابُّه والتمازِج والانصهار القبلي والعشائري بين السودان وتشاد، يؤكد على أزلية وقدم ومتانة العلاقات السياسية والاجتماعية بين البلدين.. ويؤكد كذلك أن المجتمع كان مجتمعاً واحداً ثم انقسم إلى مجتمعين في دولتين بعد رسم الحدود السياسية للجارتين الشقيقتين. أما الخلافات السياسية التي تعتري العلاقات بين البلدين من حين إلى حين فهي خلافات طارئة تحدث نتيجة الصراعات التي تنشب بين حركات التمرد في البلدين فتعكِّر صفو هذه العلاقات ولكنها سرعان ما تعود إلى سيرتها الأولى فتستقيم الأمور بين الجارتين. لذلك إن تعويل أوروبا والغرب على تشاد لتنفيذ إرادة المحكمة الجنائية هو تعويل من يجهل أصالة الشعبين ومتانة العلاقات الأزلية، بل الرحمية والعشائرية التي تربطهما.. فإذا التف الشعب السوداني حول رئيسه ووقف سداً منيعاً أمام محاولات المحكمة.. فلا نستغرب أو نُدهش أن يقف الرئيس التشادي ذلك الموقف الرجولي والأخوي الأصيل. فليوفق الله تعالى الشعبين الشقيقين إلى مزيد من الترابط والتماسك لبناء علاقات أخوية قوية لا تهتز ولا تتراجع أمام الرياح الهوجاء التي تهب من دول الغرب، وليسعى الرئيسان لتمتين هذه العلاقات بالتنمية والمشاريع الاستثمارية التي تعود بالفائدة للشعبين الشقيقين.