{ ظاهرة الاختطاف التى تشهدها دارفور بشكل عام وولاية جنوب دارفور على وجه الخصوص وهى تستهدف الأجانب العاملين فى المنظمات الطوعية وشركات الطيران والقوات الدولية (اليونميد) لم تكن مجرد عمليات إجرامية يقف وراءها مجرمون لهم دوافعهم الخاصة، وهى بالتأكيد دوافع إجرامية، وإنما المسألة أكبر من ذلك وأدق ومحسوبة بحسابات تتصل بأصل أزمة الإقليم وتطوراتها وأبعادها ودعايتها ومخططاتها كأزمة اندلعت فى الأساس لخدمة أجندة خارجية، فالناظر الى المختطَفين يجدهم يمثلون دولاً لها تأثيرها القوي على تطورات الأزمة فى الإقليم، وبالتالى فإن المستهدف الأول بهذه العمليات هو الرأي العام فى تلك الدول حتى يستقر على سوء الأوضاع بدارفور، بعد أن نجحت الحكومة فى ضرب الحركات المسلحة وتفتيت قدراتها القتالية ومحاصرة تحركاتها الميدانية وقد أضحت غير قادرة على القيام بأي أعمال عدائية تنسف الاستقرار الأمني الذى تنعم به دارفور لأكثر من عام تحديداً. { عمليات الاختطاف نشطت بعد تراجع العمل العسكري للحركات المتمردة وقد حصدت حتى الآن ثلاثة وعشرين أجنبياً من جنسيات مختلفة، هى الولاياتالمتحدةالأمريكية وروسيا وألمانيا وفرنسا ومن الدول العربية الأردن، وهذه الأخيرة ربما من أسباب استهداف رعاياها عضويتها فى المحكمة الجنائية الدولية والوجود الكثيف للمنظمات الدولية التى تتخذ من الأردن مقراً لرئاسات مكاتبها بالشرق الأوسط، فمن المؤكد أن يحدث النشر الإعلامى الكثيف عن عمليات الاختطاف فى تلك الدول ضغوطاً عنيفة على حكوماتها وعلى المنظمات والمؤسسات العاملة فى الحقل الإنسانى لاسيما وأن التغطية الإعلامية لمثل هذه الأحداث تأتى فى قالب عاطفي مؤثر يستدر تعاطف الرأي العام فى تلك الدول وما يستتبع ذلك من إضافات فى المعالجة الخبرية عن سوء الأوضاع ومعاناة الناس بالإقليم والأرقام الفلكية لعدد القتلى والنازحين واللاجئين والتطهير العرقي والاغتصاب وغير ذلك من روايات خيالية يتناقلها الإعلام فى الغرب. { ترتبط عمليات اختطاف الأجانب فى دارفور بمؤامرة دنيئة يخطط لها اللوبي الصهيونى الناشط فى أزمة دارفور (Save Darfur) منذ طرد ثلاث عشرة منظمة من دارفور فى مارس 2009م لها علاقات عمل وتنسيق فى دارفور مع اللوبي الصهيوني الذي اتجه بكلياته لتصفية العمل الطوعي فى دارفور باستهداف الأجانب العاملين فى المنظمات الطوعية بعمليات الاختطاف ليؤدي كل ذلك الى نقص فى المواد الغذائية والخدمات العلاجية والمواد غير الغذائية مما يفاقم من معاناة الناس بالإقليم، وهذه المعاناة وحدها هى ضالة هذا اللوبي الصهيوني اللعين، لأنها أس الأزمة ومظهرها ووقودها، ولذلك تجدهم يجتهدون فى الإبقاء عليها لأطول فترة زمنية ممكنة حتى تحقق الحرب أجندتها، وهذه هي الإستراتيجية التى يعمل بها اللوبي الصهيوني فى هذه الأزمة منذ دخوله فيها فى 2004م، فمنذ ذلك التاريخ والى الآن لم يصرف فلساً واحداً من الأموال التى جمعها التي تتجاوز مئات الملايين من الدولارات على الأنشطة التى تتصل بتخفيف معاناة الناس فى دارفور، فقد صرفت كل تلك الأموال فى دعاية الحرب وتنظيم المظاهرات وإنتاج الأفلام والجوانب الإدارية التى تتصل بالعاملين فى هذه الأنشطة من مرتبات ونثريات وغيرها. { كل صاحب بصيرة يدرك أن هذا النوع من العمليات هو حرب جديدة فى دارفور وهى حرب معقدة ومكلفة وعصية، إن تجذرت واتسعت رقعتها ،ولهذا لابد من مواجهة قوية لها وعلى الدولة أن تمارس سيادتها بالكامل وتحمي من هم فى داخلها وأن تفرض الإجراءات الأمنية الكفيلة بحماية الأجانب فى دارفور، وإن رفضوها، وعليها أن تضرب بقوة على الخاطفين وتقدمهم الى محاكمات عادلة، ونتمنى ألا نسمع بعملية اختطاف جديدة.