فالرقم المجهول .. الذي يصيب من يرد عليه بصعقة كهربائية .. كان دليلا على الخيال الخصب الذي يتمتع به البشر، كما كان دليلا على أن البعض يشعرون بالخطر من أي شيء، وهو ما قد يكون نوعا من الوسواس القهري، بدأ ينتشر .. ولا أحد يعرف من أين تنطلق مثيراته! شخصيا، لم أصدق الخبر، رغم أن الكثير من الأشياء تدعو للوسوسة .. والتوجس. فلا أحد في هذا الزمن، يفعل شيئا بالمجان، وبالتالي ليس من العقل أن يتكرم أحدهم بإرسال الصواعق، وعلى حسابه الخاص، لأناس لا يعرفهم، ليموتوا، دون أن يجني من وراء ذلك شيئا !! الإشاعة لو كانت ذكية، لاستخدمت وسائل أكثر إقناعا، فمثلا كان بالإمكان القول إن الموبايلات، قد أصابتها ملاريا خبيثة نتيجة البعوض، ففقدت توازنها، وباتت ترن من تلقاء نفسها، واكتسبت بفعل البطاريات قدرة على حقن أصحابها بتلك الملاريا الخبيثة، وبالتالي فإن أي (رنّة) .. وخصوصا من أرقام غريبة، تصيب المستجيب لها بملاريا سوداء .. لا ينفع معها علاج، ولا يشفيها طبيب ! كما كان بإمكان الإشاعة، أن تكون أشد تأثيرا، لو قالت إن الذباب المتكاثر، قد أنهكه (التلوث) في مناطق البرك الآسنة، فأصيب بحالة شفافية مثل الرجل الخفي، وأصبح قادرا على التسلل للموبايلات، والعبث بأرقامها، والتلاعب باتصالاتها، فلا يهدأ له بال .. حتى يقوم بطرشقة الموبايل في أذن المستعملين، ويا روح ما بعدك روح !! كان بالإمكان أن تكون الإشاعة أكثر ذكاء، لكنها لم تكن بحاجة لذلك، فالكثيرون باتوا مهيئين لتصديق أي شيء، دون أن يفكروا في الموضوع بعقلانية، لتعود خزعبلات البعاتي، و(أبو لمبة)، متوهجة في السودان، رغم مدنية القرن الحادي والعشرين ! أحد معارفي كان سعيدا أثناء الإشاعة، والسبب أنه لا يملك جهاز موبايل، ولا يستعمله أبدا. لكن بعض القلق تسرب إليه لاحقا، ووجدته يسألني : هل الصعقة تصيب المتحدث بالموبايل فقط ام يمكن أن تنتقل لمن يجاوره أو يلامسه، فسألته عن سبب سؤاله، فقال إنه يخشى أن يرد أحد مجاوريه في المواصلات العامة على الرقم الخبيث، ف (يضيع ويضيّعنا معه) !! تقنية الاتصالات بالموبايل .. ليست عريقة، وبالتالي فهي قابلة للكلام الكثير حولها، مثل احتمال تسببها في الأمراض، أو تأثيرها السلبي على النوم والأحلام، أو جلبها للصواعق أثناء الأمطار، وهو ما يستدعي توضيح الحقائق بشكل علمي دقيق، ليعرف الناس كيف يستفيدون من هذه التقنية الساحرة بكل ألقها وأهميتها، وكيف يتفادون شرورها .. حين يكون لها شرور لا ندري عنها. الموضوع طلع (إشاعة) .. الحمد لله !