{ لا يتطلب أمر اكتشاف الذهب الكثير من التفكير كحالة جغرافية أو حتى كيميائية، لكنه بالضرورة يتطلب الكثير من الجهد والعمل والحذر من الأرض تحت أحلام الحافرين والباحثين عن الممكن لقضاء الحوائج المستحيلة من أوليات الحياة وحتى كمالياتها. لذلك كان كل الذاهبين الى مناطق البحث والاكتشاف هم من البسطاء الذين يمشون خلف تهويمات الأخبار المتناقلة شفاهيا بالأقدام التي تحولت بقدرة الذهب إلى (همرات) و بيوت (الجالوص) التي انتصبت بالكمر والخرصانات وإلى الجلود التي انتفخت بالشحم واللحم بعد أن ذهب ظمأها وابتلت عروقها بماء الذهب! فذهبت كل الأسباب المنطقية والتعليلات العقلية التي يمكن أن تبطئ من الحركة السريعة للذاهبين إلى مناطق الذهب وتجعلهم يعيدون التفكير مرتين قبل أن ينجرفوا وراء لمعة الذهب! ومن وراء الأخبار الحقيقية وراء الانهيارات الأرضية التي بلعت أرواح الباحثين عن الذهب، ذهب المسؤولون ذات شاشة قناة أخبارية الى مناطق التنقيب عن الذهب التي تحولت بقدرة غباره إلى مستوطنات بائسة ومعسكرات لمعتقلي الذهب، وحتى يرضوا ضميرهم المسؤول عن البشر، صرّحوا عن الاهتمام والمراقبة والدوريات التي تقوم على رعاية المنقبين وحمايتهم وتوفير أسباب الراحة والأمان لهم، ثم ذهبوا مع الريح الى مواقع مسؤولياتهم يقهقهون مسرورين لنجاح الزيارة التفقدية. ومنها نما إلينا ما يفقده أهالي المنطقة بولاية نهر النيل من أمان تسلل من بين أقدام المنقبين وخرج عن حدودها غائبا الى غير رجعة؛ حيث أن الدخلاء حولوا الأمر الى تنافس غير شريف ونهب وسلب ونظرية غاب يسيطر فيها القوي على المكتشف الضعيف، وبتنظيم غير معلن تحولت العمليات الى سلسلة تبدأ من أصحاب جهاز التنقيب - وهو في حد ذاته حكاية ما قبل اللوم للدولة! - إلى شركاء التنقيب وهم صاحب السيارة ومؤمن المؤن وقصاص الأثر لضمان عدم التوهان في الصحراء الذهبية، ثم تجار ساعات النوم والأكل والشرب والذي منُّو! أما ما يفقده المنقبون فهو في أفضل الأحوال رهق الجسد والقوة والحلم الذهبي الذي ينتهي بكمية الكيلو غرامات الصافية أو المشوبة بالتراب وما يعادلها من جنيهات ودولارات، وفي أسوأ الأحوال فإنهم يفقدون الروح والحياة بشقائها وهنائها المنتظر بسبب انهيار جرف هاو على فقاعة حلم ذهبي، فيذهب كل شيء ويبقى أمل الحصول على رفاتهم كاملة. ونما الينا تأكيد دامغ بأنه لا ينقصنا هم جديد على همومنا المتاحة والمتوفرة والذهبية من أحلام العلاج الممكن والمجاني الى التعليم وتوفير فرص العمل الشريف للشباب الأكاديمي والحرفي.. الخ، الحقوق الأولية وليست الكمالية للحياة داخل وطنك، حتى تضاف اليها وفي قائمة مفتوحة على الهواء اختفاءات هؤلاء الشباب وانهيارات التراب والأحلام على رؤوسهم وما تبقى من عقل فيها وفينا ولا ينقصنا باب جحيم جديد ليحرق وجوههم المصفرّة من التعب ونقص الغذاء والماء، ويحرق حشا أهلهم عليهم مرتين بفقدهم في صحراء قبرهم ولا ينقصنا ذهب ليملأ رفوف محلات لا يدخلها شاريا إلا ذوو الحالات الخاصة والأموال الخاصة والحياة الخاصة التي لا يهمها ارتفاع سعره العالمي على سلع أساسية أو انخفاض تله العالي على أرواح انسانية المهم ما يكونه زينة على اليدين والقدمين. لهذا لن يغفر علمنا وجهلنا بما لا نعلم، للحكومة الولائية والاتحادية ما تقدم من ذنبها بفتح مجال التنقيب في الذهب عشوائيا هكذا لمجرد أنه ذهب سطحي لا يسمن ولا يغني من جوع الأسواق المحلية دعك من العالمية ولذلك لن تغامر بعقودات تنقيب مع الشركات الكبيرة أو بتخطيط حقول وماكينات وعمال لبضعة أحجار وغرامات هزيلة بجانب أنه في الأساس هو غير مدرج في مدخلات الدولة وخزينتها المركزية ضمن الثروات التي تعول وتعتمد عليها الدولة.. لن يغفر لها ما تأخر من ذنبها في إهمال عشرات الألوف المؤلفة قلوبهم على حلم الذهب وأبناء سبيل صدفته السعيدة، لمجرد أنها تقوم عبر مسؤوليها بالزيارات المتواترة كلما نهض نبأ عاجل من (سونا) بانهيار شباب في هوة الحلم الذهبي. أو لمجرد أنها تقوم بالتنبيه ونصب الكمائن للمتهربين من نقاط التفتيش عن أجهزة الذهب أو نقاط الجباية على الذهب { جانبي: (أصبح يعتبر مدخول جبايات الذهب واحدا من أهم مرتكزات خزينة المحليات المشارفة على مناطق التنقيب، اليس مصائب قوم عند المحليات فوائد)؟! { ونما الى علمنا بعد كل ذلك ان انزلاق الأرض تحت اقدام الباحثين الصارخين بخيبة الأمل وانعدام فرص العمل الشريفة والمحترمة لإنسانيتهم، هو فائدة للدولة لأنه يوفر لها شرعية استخراج شهادات الوفاة ونهاية الخدمة في التنقيب والحلم باعتبار أنها كوارث طبيعية ! ومن يغالط بغير ذلك، بلا شك فإنه شخص ذهب عقله في رحلة بلا عودة..!