يقولون إنه كانت للرئيس المصري الراحل جمال عبدالناصر علاقة خاصة غريبة مع شهر سبتمبر، فبعض الوقائع المهمة جداً في حياته حدثت في سبتمبر. فقبل 28 سبتمبر 1961م كان الضابط الصعيدي الشاب الكاريزمي يحكم بلدين عريقين هما سوريا معقل الأمويين حيث دمشق وغيرها، ومصر مهد الفراعنة حيث القاهرة التي أسسها الفاطميون وحكموها وحكمها كثيرون آخرون كان منهم عمرو بن العاص وصلاح الدين الأيوبي والظاهر بيبرس وأحمد بن طولون والمماليك وأسرة محمد علي. ونتخيّل أن عبدالناصر كان سعيداً وأنه كان يشعر ببعض الزهو برئاسته لبلدين كبيرين مفتاحيين هما مصر وسوريا وإن حدث ذلك فقد كان من حقه فليس بالأمر السهل أن يحكم أحد مصر وسوريا خاصة في العصر الحديث لأسباب كثيرة منها أن الشعور القطري رغم القومية العربية أخذ منذ زوال الخلافة العثمانية في العشرينيات يكتسب حضوراً لا يُستهان به في الأقطار العربية جنباً إلى جنب مع الشعور القومي، أي الشعور بالانتماء إلى الأمة العربية. وبحجم فرح عبدالناصر بحكم سوريا ومصر كان حزنه بانفصال سوريا في 28 سبتمبر 61. ومن الجائز أن حزنه على ذلك كان هو الحزن الكبير في حياته. وثم فرحتان كبيرتان في حياته تحققتا أيضاً في سبتمبر، فكانت الأولى في سبتمبر 62 بقيام الثورة اليمنية والثانية في الفاتح من سبتمبر 1969م بقيام الثورة الليبية التي هي أصلاً انقلاب عسكري نفّذه صغار الضباط وكان من أول قراراتهم إلغاء الملكية وإعلان الجمهورية. وإذا كانت الثورة اليمنية حدثت بعد عام من انفصال سوريا الذي كان هزيمة قاسية تجرّعها عبدالناصر، فإن الثورة الليبية قامت بعد عامين من هزيمة أقسى وأفظع تجرعتها الأمة العربية وفي المقدمة منها الرئيس الراحل جمال عبدالناصر، هي هزيمة يونيو 1967م. وواضح أن المصادفة وحدها هي التي جعلت ذلك كله يحدث في شهر واحد هو سبتمبر. لقد مرت أربعة عقود على وفاة عبدالناصر وكان أحد أشهر ما يعمل له وينادي به في السنوات الأخيرة من عمره إزالة آثار العدوان وبعد أربعين سنة من وفاته نجد أن بعضها أُزيل وبعضها الآخر مازال موجوداً، وتخلت مصر عن الاشتراكية وتقلّص دورها في العالمين العربي والإسلامي وفي إفريقيا، وكانت له إنجازات مقدرة.