أحب السمك، ولطالما دبج قلمي المقالات المستهامة بعشقه، وأظن أن كل مواقع بيع السمك في العاصمة تدين لي بما (أرتكبه) من ترويج لمبيعاتها .. دون أن آخذ نصيبا منها . . ماديا، أو عينيا!! لكنني والله، مستعد الآن للتخلي عن عشقي، وتطليق أكل السمك، بعدما علمت أمس، أن السودان بات يستورد أسماكا بسبعمائة ألف دولار !! أعرف أن الكثيرين نهمون للأسماك مثلي، لكنني، والله، لم أكن أعلم أن أنهارنا السخية، قد أصابها العقم السمكي، ولم تعد قادرة على توفير حاجتنا، لنهدر دولاراتنا العزيزة في استيراد السمك من الخارج !! بصراحة .. كنت سأتشكك في المعلومة، فكم من معلومات وفرقعات يتم الترويج لها، باعتبار أنها حقائق، مع أنها عارية من رائحة الحقيقة، لكن موضوع السمك، لم يأت من جهة محل شكِ،ِ بل صرح به مدير عام شرطة الجمارك، اللواء سيف الدين عمر سليمان، خلال مؤتمر صحفي نشرت تفاصيله أمس. بسيطة .. إن كان السمك يلتهم كل هذه الدولارات، فلا داعي لاستيراده، ولا أظن أن سمك الخارج أطيب مذاقا من سمك الداخل، وشخصيا .. لم أذق سمكا أجنبيا منذ عودتي للسودان، وكل ما التهمته هو من وارد النيل الأبيض، والنيل الأزرق، ونهر النيل .. فقط لا غير !! المشكلة أن (الهيجان) الذي وقع، بعد زنقة الدولار التي يشهدها السوق، وتراجع الاحتياطات من النقد الأجنبي، أصبح من الضراوة، بحيث بات فاقدا للتمييز، بين ما هو مهم، وما هو غير مهم. ورغم أن سياسة تحرير الأسعار، رحمها الله حية أو ميتة، لا تعترف بالتدخلات والقيودات على حركة الاستيراد والتصدير، وتعطي لآليات السوق القدح المعلى عرضا وطلبا، بيعا وشراءً، فإن من الممكن (بلع) توقيف استيراد السيارات المستعملة، كما يمكن (فهم) أي قيود يمكن ترتيبها في هذا الشأن، فالتحرير الاقتصادي بات في أحسن الحالات يحتضر داخل غرف الإنعاش، لتترنح إحدى تمائم الإنقاذ المهمة في الشأن الاقتصادي. لكن ما لا يمكن بلعه، الإشارات المتعلقة بأن (الإعفاءات والاستثناءات الجمركية لبعض السلع مثل الذرة الشامية والسكر تسبب فقدان الإيرادات العامة لحوالي 400 مليون دولار) .. فإن كانت الإشارة لهذا الأمر هي من باب العلم بالشيء، فذاك مما يمكن غض الطرف عنه، أما إن كان التلميح لهذا الأمر هو تلويح بأن إحدى مشكلاتنا الاقتصادية تتمثل في دعم الذرة والسكر، فأظن أن كل ميزانية السودان لو ذهبت لدعم اللقمة، فلن نبكي على قرش واحد منها. ليذهب السمك المستورد غير مأسوف عليه . . لكن (اللقمة) .. خط أحمر .. خط أحمر .. خط أحمر !