احتاج الزعيم الاتحادي التاريخي سيد أحمد الحسين إلى أكثر من ثمانين عاماً ليقول «إن السيد محمد عثمان الميرغني مرشد وليس زعيماً للحزب»، بمعنى «يجب أن يظل مرشداً»، وقال في فقرة أخرى من هذا اللقاء الذي كما لو أنه «الشهادة الأخيرة»؛ قال «إن الحزب تضرر من الطائفة»، والسيد الحسين الذي يذهب إلى الثمانين والتقاعد الحزبي الإجباري بدا غير متفائل بوحدة اتحادية في ظل الظروف التي يعيشها «حزب الاستقلال» الآن. تشرذم الحزب إلى أكثر من خمس نسخ اتحادية، ولم يقل صاحب أية نسخة من هذه النسخ إن النسخة التي بين يديه «غير أصلية»، والكل يزعم أنه يمسك «بالنسخة الأصلية»، ولا يستطيع أحد في المقابل أن يجرد أحداً آخر من هذا الادعاء، فعلى سبيل المثال ليس بمقدور أحد أن يقول للسيدة جلاء الأزهري ابنة الزعيم التاريخي «إن النسخة التي بين يديك غير أصلية»، كما ليس بالإمكان تجريد «مجموعة الزعيم الراحل زين العابدين الهندي» من دائرة التاريخ الاتحادية، وبطبيعة الحال أن النسخة الاتحادية التي بيد مولانا محمد عثمان الميرغني «موغلة في الأصولية» بل تسمى «النسخة الأصل». فمن كان منكم بلا نسخة أصلية فليرمها بحجر! غير أن أية نسخة اتحادية حاولت عبر الاسم الذي اتخذته أن تقول إنها «المركز» وأن النسخ الأخرى مجرد «نجوم حول القمر»، فمثلاً من استأثر بالاسم «الحزب الاتحادي الديمقراطي» لم يحتج إلى أن يقول هو الأصل، والذي فقد هذا المسمى التاريخي احتاج إلى أن يقول إنه هو الأصل وهكذا. وهذه تذكرني بواقعة طريفة بطلها عمنا محمد أحمد عيسى، متعه الله بالصحة والعافية، وكان يعمل بوزارة الأشغال وهو يجلس أمام صف طويل من مكاتب مهندسي الوزارة، فجأة أحد الزائرين سأله عن مكتب كبير المهندسين، فقال عمنا محمد (والله يا ولدي الصف دا كله مكاتب مهندسين وما في واحد منهم قال أنا صغيّر)! فليس هناك أصلاً مكتب لصغير المهندسين! وهناك أزمة مصطلحات أخرى يرزح تحت وطأتها حزب التاريخ والاستقلال، وأعني تحديداً مصطلحات الوحدة، فمثلاً الحزب الاتحادي «الأصل» يطلق مصطلح «لم الشمل» ولا يقبل بغير هذا المصطلح، وهو يعني به «عودة النسخ الاتحادية غير الأصلية التي خرجت على النسخة الأصل»، وإذا قبل الحزب الأصل بأي مصطلح للوحدة غير هذا المصطلح يبدو كما لو أنه قد أصبح نسخة مثل باقي النسخ وعليها أن تتحد مع الأخريات، «فلم الشمل» تعني هنا وبقوة «على الآخرين أن يعودوا إلى رشدهم ولا يعقل أن يكون ود السيد علي الميرغني على نسخة من الأمر»! وبدا أن السيد سيد أحمد الحسين وهو يسحب صفة «زعامة الحزب» من مرشد الطريقة الختمية وراعي الحزب مولانا محمد عثمان الميرغني، بدا كما لو أنه يجرد «نسخة مولانا» من أصلها وأصوليتها، بمعنى: وما نسخة الميرغني إلا نسخة عادية من ضمن النسخ الاتحادية وليست هناك قداسة في السياسة، فإنما القداسة محلها الطريقة، ومن أراد القداسة فعليه ألا يتجاوز محاور الإرشاد والرعاية والخلافة، «فمن كان يعبد محمداً فإن محمداً قد مات ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت»، فيبدو أن مولانا سيد الحسين في «شهادته الأخيرة» يود أن يأخذ ملامح من تلك المقالة المقدسة التي قال بها الصحابي الجليل أبو بكر الصديق - رضي الله عنه - عند وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، بمعنى أكثر وضوحاً يود الحسين أن يخرج «مولانا الميرغني» من آثام السياسة ومعتركاتها وأن يحفظ للطريقة مكانتها، ليقول بعد ذلك «فمن أراد مولانا الميرغني فليلحق بالسجادة، ومن كان ولاؤه لحزب الاستقلال والتاريخ فها هو الحزب باق».. والله أعلم.