التفاحة الواحدة بجنيه، والدستة يمكن الحصول عليها بأحد عشر جنيها ! نعم هي فاكهة غالية، لكن السودانيين يموتون بأسباب كثيرة .. ليس من بينها عدم أكلهم التفاح ! طبعا الناس كلها تحلم بالرخاء، والوفرة، لكن توفر الأشياء يجب أن تصحبه إمكانية الحصول عليه، والسودان زاخر بالوفرة .. من العربات الفارهة ذات الدفع الرباعي .. إلى وصلات الكهرباء معروفة المصدر، والتي تتلف وتفرقع .. مع كل عودة فجائية للتيار عقب انقطاعه ! الوفرة موجودة .. لكن الحصول على السلعة هو مربط الفرس ! لذلك كانت نصيحتي الذهبية دائما، هي أن يمتنع الناس عن شراء الأشياء المرهقة لهم، واللجوء للبدائل المتاحة بكل رضا، لأن ذلك هو أحسن طريق لتبريد الأسعار المتصاعدة، أو لمحاصرة استجلاب السلع النارية .. التي لا تقوى عليها الجيوب ! لحسن الحظ، أن السلع الاستفزازية ليست مهمة، بل قد تكون مضرة، لأنها مخالفة لبيئة الناس، ولأنماطهم الغذائية والاستهلاكية، وهذا ما يحفز لتجاهلها، والفكاك من حب (الطرف الواحد) تجاهها! وأذكر أن صديقا عربيا دعاني خارج السودان لوجبة (جمبري) .. وكانت المرة الأولى والأخيرة التي أتناول فيها الجمبري العتيد، حيث أصابني بسوء هضم، وانتفاخ في المعدة، لأنه ليس مما اعتادته بطني، ولا يدخل ضمن الأنماط الفولية التي اعتادت عليها أجهزتي الهضمية ! طبعا لن يصيبنا التلبك المعوي جرّاء التفاح، لكن تلبّك الجيب هو المشكلة، ولذلك، فالموز، والمنقا، والبرتقال، والجوافة .. بدائل سودانية، وأسعارها رغم سخونتها أخف وطأة من جمر التفاح والكمثرة والعنب البناتي المستورد ! والكون مخلوق بدقة متناهية، والطبيعة ظلت دائما سخية في خدمة بني آدم حسب بيئاتهم، فالبطيخ الحلو، بمائه الغزير، وعناصره الغذائية المفيدة، يلطف علينا حياتنا صيفا، ويساعدنا في مكابدة الجو القائظ، وهو أهم لنا من تفاح العالم كله، وأظنه فقد دلاله الموسمي الذي عرفناه في صغرنا، فبات موجودا في الأسواق طوال العام، منتظرا إشارة المشتري .. ليأخذ كل عاشق نصيبه أنى شاء !! والجوافة .. علاج ودواء، وهي من الفواكه ذات النكهة المميزة، وأهلنا يعرفونها وسيلة فعالة في علاج الدوسنتاريا والإسهال، فما أحرانا بها .. كلما وجدنا إليها سبيلا ! والمنقا، تلك التي تأتيها مواسم فلا يعرف البائعون كيفية التخلص من فوائضها، تشكل للناس حصنا غذائيا زهيدا في موسم الانتاج، رغم أنها من سلع الرفاهية في الخليج والشام والبحر الأبيض المتوسط، حيث تلتهب أسعارها هناك، ولا يشتريها إلا الفضوليون أو أصحاب الإمكانات، دون غيرهم من عامة الناس ! حتى أنماطنا السكنية، يمكن أن تصبح سهلة الهضم في أسعارها، إذا توجه علماؤنا لتجويد الجالوص، والاستفادة من مميزاته في البناء، وفي ملاءمته للبيئة، فنتخلص من الأنماط الأسمنتية والخرصانية، والتي زادت سخونة المناخ، وأشعلت الخصام مع البيئة، وحرقت الجيوب دون تقدير أو رحمة ! التفاح لذيذ، وإذا توفرت الإمكانات اشتروا ما تيسر منه، لكن بدائلنا تجعلنا في غنى عنه، خصوصا وأن طبيعة أرضنا ومناخنا، جادت بما نحتاجه غذائيا، لا بما يحتاجه الآخرون في بلدان المناخات الباردة، أو في دول الضباب والصقيع .