إن كان ثمة إمام غائب لدى الاتحاديين؛ فلن يكون إمامهم بأي حال من الأحوال طوطماً آخر غير أشواقهم في تحقيق وحدة الفصائل الاتحادية، التي أوصد رئيس الحزب الاتحادي «الأصل» مولانا الميرغني الباب دونها قبلاً، بقوله إنها تحققت منذ العام 1976م، في أعقاب هتاف الجماهير التي احتشدت لتشييع أحمد الميرغني مطالبة بالوحدة، ورده عليها «الحزب موحد ولكن نحتاج إلى لم شمل». غير أن الميرغني والأيام لم يكونا كفيلين بمنع تلك الأشواق من الظهور مجدداً ليلة أمس الأول (السبت) حينما قدر ل (5) فصائل اتحادية أن تجتمع في منزل السيد إسماعيل الأزهري بأم درمان، لتناقش ما أسمته الأوضاع المزرية التي يعيشها الحزب والبلاد. الأوضاع المزرية هذه أفرزت. على حد قولهم حالة من التوتر المتزايد وضبابية في الرؤية وانعدام في الاستقرار، فخرجوا لهدمها بجملة من التوصيات التي تليت على الصحافيين من جهاز (اللابتوب) الذي يخص أحد المجتمعين، فقضت باتفاق جميع الفصائل الحاضرة على ضرورة الحفاظ على وحدة السودان، علاوة على ضرورة التوصل إلى معالجة أزمة دارفور، وتوطين حلها داخلياً، دون أن تنسى التوصيات استعادة موقفها السابق من نتائج الانتخابات المنصرمة، والطعن فيها بالقول إنها لم تفض إلى التحول الديمقراطي المطلوب في البلاد، مطالبين في الوقت نفسه بضرورة إعادة الديمقراطية كمنهج للحكم وإلغاء كافة القوانين المقيدة للحريات، ثم تلا كل ذلك مناداتهم لإمامهم الغائب المتمثل في الوحدة الاتحادية، فكونوا لها لجنة للتنسيق بين الفصائل، وأوكلوا إليها مهمة تحديد السقف الزمني لتحقيقها، وصياغة أجندتها، وربما أوكل إليها أيضاً تحديد الوسائل التي تحقق أماني الاتحاديين المتفق عليها في مجلسهم ببيت الأزهري. وإن كان ثمة ما يلفت انتباه المراقبين للشأن الاتحادي هذه المرة؛ فهو حضور جميع الفصائل عبر ممثليها، فغدا أمراً غير ما هو مألوف، أن يجتمع الاتحاديون ثم يخرجوا وقد اتفقوا على شيء ما في ما بينهم، ورغم غياب آليات الأهداف المتفق عليها؛ إلا أنها مثلت في نظر الكثيرين حداً معقولاً من التوافق لفصائل اشتهرت منذ زمن بعيد بتعدد الآراء وتباين المواقف داخلها، بل لهم تخريجات متواترة يفسرون بها حالة التباين التي ضربتهم سنين عدداً، أهمها على الإطلاق ما يذهبون إليه بأن الحركة الاتحادية ما هي إلا مرآة صادقة تعكس حالة السودان، وهي في نظرهم مضطربة متي ما كانوا مضطربين. وبعيداً عن هذا وقريباً منه أيضاً؛ فقد لا تبدو الحركة الاتحادية التي ترزح تحت أعباء الراهن المتشابك والماضي المتناقض؛ مؤهلة للانفكاك كلية من إشكالاتها المزمنة، إذ لم تمض غير (20) دقيقة فقط من التماهي، بعيد اجتماع بيت الزعيم؛ حتى تعالت الأصوات داخل الصالون الذي استضاف الصحافيين لتندد بالأمين العام للحزب الاتحادي المسجل الدكتور جلال يوسف الدقير حين اتهموه بالانضمام صراحة إلى حزب المؤتمر الوطني، بل أمعنت تلك الأصوات في إبعاده واعتمدت الشريف صديق الهندي بدلاً عنه، وجعلته ممثلاً رسمياً للحزب بينها، وقد أشارت التسريبات التي بثت للصحافيين إلى تخلف الدقير عن الاجتماع قبل (5) ساعات فقط من انعقاده، بسبب حالة التماهي هذه مع حزب المؤتمر الوطني، لذلك كان الرجل وحزبه هدفاً مشروعاً للتصريحات والبيانات التي ملأت أيدي الحضور، إلا أن الاتهام كان مرفوضاً من قبل (جناح الدقير) واعتبروه مزايدة لا قيمة لها من قبل مروجيه، وذهب مسؤول الإعلام في الاتحادي محمد الشيخ إلى وصم الشريف صديق الهندي بأنه رجل فاقد للبوصلة، ودافع عن غياب الدقير بقوله إن الاجتماع كان تحصيل حاصل ولا يستحق الحضور، ومن ثم أن الدقير غاب احتجاجاً على دعوة الشريف صديق الهندي، وأضاف أن حزبهم قطع شوطاً كبيراً في الدعوة إلى توحيد الاتحاديين وتوحيد البلاد عبر المبادرات التي يقودها الأمين العام ومن قبله الراحل الشريف زين العابدين الهندي، إلا أن ذات البيانات ذهبت في لغة غامضة إلى الكشف عن تورط أحد الفصائل في اتفاق مع «الوطني» لتكوين تحالف يحمل مسمى الوسط العريض، للدخول به في مرحلة الدمج الكامل للحزب الاتحادي مع «الوطني» وبصورة نهائية، مقابل تمكين ذات الفصيل من توكيلات إسبيرات طائرات اليوشن والأنتنوف، علاوة على تمكينه من امتلاك مزارع ضخمة واستراحات بضاحية الدخينات بالخرطوم، بل ذهب أحد البيانات للتحذير من التعامل مع عناصره حتى قيام ( الساعة)، مع أخذ الحيطة والحذر منهم حال كونهم مدربين بحرفية عالية للاختراق وتحقيق أهدافهم بصمت، وواصل البيان هجومه حتى وصل إلى دمغ أحد قياديي الفصيل بالعمل لصالح جهاز الأمن والمخابرات، ومضى ليمنحه رتبة الرائد مضافة إلى منصبه الدستوري بحكومة الولاية. ومتى تركت أمر الاتحاديين الشخصي في ليلتهم تلك؛ فلا شك أنك واجد فيهم بعضاً من أمنيات وطنية لأهل دارفور، وعودة الديمقراطية، ووحدة السودان، لكنها ربما ظلت مواقف مشروعة لن يكتب لها التحقيق نظراً لافتقار المجتمعين لآليات تحقيق تلك الأهداف، ومن ثم تآكل الزمن المتبقي وضيقه لتلافي وحدة السودان ومنع تشرذمه من فصائل ما زالت هي نفسها تحتاج إلى من يوحدها، رغم بصمة جلاء الأزهري، ويعقوب شداد، والخليفة ميرغني بركات والشريف صديق الهندي، ومحمد عثمان مالك وقبل كل هؤلاء حضور روح إسماعيل الأزهري التي يجمع على محبتها الاتحاديون باختلاف مشاربهم!