كُنا ولا نزال ومؤكّد أننا سوف نظل وحدويين إلى ما لا نهاية، فالوحدة هي القاعدة، والاستثناء هو التشرذُّم ومن التكرار أن نقول إن العصر هو عصر الكيانات الكبرى وليس عصر الكيانات الشظايا، ومن التكرار أيضاً أن نذكر تعزيزاً لمسألة الوحدة بيتين شهيرين من الشعر العربي هما: كونوا جميعاً يا بَنيَّ إذا اعترى خطبٌ ولا تتفرقوا آحادا تأبى الرماحُ إذا اجتمعنَ تكسراً وإذا افترقنّ تكسّرت أفرادا ونحن وحدويون على كافة المستويات وفي المقدمة منها مستوى السودان، ثم وادي النيل، والعالم العربي، وإفريقيا، والعالم الإسلامي، والعالم الثالث. وفي الظروف الحالية التي يمر بها العالم حيث القطبية الأُحادية المتمثلة في الهيمنة الأمريكية واختفاء التوازن الدولي جراء انهيار الاتحاد السوفيتي وفي زوال كتلة عدم الانحياز وتراجع الأفكار القومية ومنها القومية العربية وفشل حركات التحرر الوطني التي حققت الاستقلال في أقطارها لكنها فشلت في ترجمته إلى إستقلال اقتصادي سياسي اجتماعي تنموي. في هذه الظروف التي عاد فيها الاستعمار بشكله القديم ومن تجسيداته احتلال العراق، والتدخلات السافرة المحسوسة في شؤون السودان. في هذه الظروف الكئيبة الكريهة التي من أبرز ملامحها عجزنا شبه المُطلق واقتدار الآخرين - في الولاياتالمتحدةالأمريكية وأوروبا وأيضاً في إسرائيل - شبه المُطلق، فإن الدعوة أو المطالبة بوحدة أو اتحاد بين مصر والسودان موحداً كان أو منقسماً تبدو خيالاً جامحاً. فمصر الآن مع كامل الاحترام للمقاتل القدير البطل الطيار الرئيس محمد حسني مبارك مغلوبة على أمرها وهي في أضعف حالاتها وعلى امتداد تاريخها الحديث. ولذلك فإنه حتى إذا ما كُتب لهذه الوحدة المقترحة بين مصر والسودان موحداً كان أو منقسماً أن ترى النور فإنها لن تستمر. والأولوية الآن يجب أن تكون هي المحافظة على السودان وإن تعذّر ذلك تصبح الأولوية هي المحافظة على السودان الشمالي، ومن المهم أن يكون في حسابنا أن تحقيق هذه الأولوية الثانية لن يكون سهلاً. ففي السودان الشمالي دارفور، وفيه جنوب كردفان والنيل الأزرق..الخ. لكنه رغم ذلك كله مؤهل في حالة الانفصال إلى أن يصبح شعباً مكتمل التكوين بعد أن عاش طويلاً وكثيراً شعباً في طور التكوين.