في مصر تجانس عرقي لا وجود لمثله في السودان سواء أكان موحّداً أم منقسماً. ومن الشكل الخارجي فإنه من الصعب أن يميّز المرء بين المصري المسلم والمصري المسيحي، وهذا أيضاً منعدم في السودان. وصحيح أنه من الممكن أن تتعرّف على السوداني من الوهلة الأولى من شكله الخارجي لكنك في نفس اللحظة تستطيع أن تحدد منطقته جنوباً أو غرباً أو شمالاً. ويُستثنى في مصر من التجانس العرقي الوجود النوبي في الصعيد الأقصى، فاللون هنا أكثر سمرة وهنا أيضاً لغة أخرى غير العربية ويبدو أنها آيلة للاندثار. ومن زمن طويل هناك حساسية سودانية إزاء بعض الذي يصدر من المصريين صفوتهم وعامتهم، فالصفوة لم تكن قط دقيقة في كثير من معلوماتها عن السودان والسودانيين ومن كثرة عدم الدقة هذا فإنه بدا لبعض السودانيين أنه مقصود، أما غمار المصريين فإنهم مثل الصفوة يحبون السودان والسودانيين لكنك بشيء من قوة الملاحظة تصل إلى حقيقة أن المصري في أعمق أعماقه يعتقد أنه أرقى وأكثر تحضُّراً من السوداني. ورغم ذلك فإننا نجد أن تعامل المصريين معنا داخل بلدهم أفضل من تعامل العرب الآخرين، وليس من باب المبالغة أن نقول إن السوداني في مصر سائحاً كان أم طالباً أم باحثاً عن العلاج يشعر أن مصر بلده بمعنى الكلمة وليس من باب المجاز. ولا وجود لهذا الشعور ولا لما هو قريب منه عندما يكون السوداني في أي بلد عربي آخر. وشعور الإنسان السوداني بأن مصر بلده يقابله حرص بالغ على خصوصية السودانية ورفضه شبه المطلق لإذابتها أو دمجها في أي كيان آخر، وقد تنبّه كاتب صحافي من قبل إلى إسرافنا في ترديد عبارة (الشعب السوداني) وكتابتها بمناسبة وبغير مناسبة، والحقيقة أننا نسمعها كثيراً جداً في مكان العمل وفي البيوت وفي البصات والهايسات والأمجادات والركشات. نسمعها ونقولها ونكتبها كثيراً معتزين مزهوين وهناك من يرون أن هذا الإكثار من ترديد عبارة (الشعب السوداني) يعكس خوفاً دفيناً عليه! والعلاقة السودانية المصرية - ونتكلم عن الجانب السوداني - ليست كلها حباً جارفاً وانبهاراً بلا حدود، فهناك من يكرهون مصر، وبعضهم يكرهونها بلا أسباب، ولبعضهم الآخر أسبابهم، ويجب أن نضعهم في اعتبارنا عندما نفكر في إقامة وحدة أو اتحاد مع مصر. وطبعاً هناك من يحبونها وربما كانوا يشكِّلون الغالبية، لكننا في نفس الوقت نلاحظ أن تشبُّثهم بهويتهم السودانية لا يقل أو أنه أكثر من حبهم لمصر. ونلاحظ أن وجود وحدويين و(نتحدث عن الوحدة السودانية المصرية) على نسق محمد نور الدين وأحمد السيد حمد وعقيل أحمد عقيل وأحمد الطيب عبدون وبشير البكري ومحي الدين صابر وبابكر عوض ...والخ، أصبح نادر الحدوث في هذه الألفية الثالثة. وربما من هنا كان الاهتمام بالدعوة التي أُطلقت مؤخراً لوحدة السودان ومصر.