يتردد الآن أنه كان للمؤتمر الوطني أيضاً دور في عزوف الجنوبيين المقيمين في الشمال عن التسجيل كما ينبغي لإجراء الاستفتاء حول تقرير مصير جنوب السودان يناير القادم. وكانت الحركة الشعبية هي صاحبة الدور الأكبر في هذا العزوف، فهي حركة انفصالية افترضت أو تخيلت أن الجنوبيين، وقد طاب لهم المقام في الشمال، سوف يصوتون للوحدة، ولذلك فإنها بذلت ما في حوزتها من ترغيب وترهيب لتهبط نسبة التسجيل إلى الحد المطلوب لتصبح نتيجة الانفصال تحصيل حاصل، فالموقف في الجنوب تحت تصرف الحركة الشعبية وخاضع بالكامل لإرادتها. وتأكد الآن للجميع أن الحركة الشعبية حركة انفصالية، ولو أنها كانت حركة وحدوية حقيقية لما أشاحت عن الوحدة حتى إذا ما ثبت لها أن المؤتمر الوطني حزب انفصالي. وقد كتب وقيل الكثير عن انفصالية المؤتمر الوطني والحركة الإسلامية عموماً، وبافتراض أن ذلك صحيح فإنه لا يبرر أن يتخلى الوحدويون الحقيقيون عن وحدويتهم، بل العكس هو الصحيح، فقد كانت تلك فرصة ليؤكدوا فيها إيمانهم بالوحدة وثباتهم عليها. ولو أن الحركة الشعبية فعلت ذلك، وفي ظل فتور الحزبين التاريخيين الاتحادي الديمقراطي والأمة إزاء قضية الوحدة، لالتفّت قطاعات واسعة من السودانيين في الجنوب والشمال حول الحركة ولتسنّى لها أن تحكم البلد من أقصاه إلى أقصاه وأن تكون أكثر انسجاماً مع الشعارات التي كانت ترفعها أيام الغابة والدكتور جون قرنق. لكنها لم تفعل وانكفأت على الجنوب مبشرة وهاتفة للانفصال، وقلنا ونعيد إن موت الزعيم لا يبرر التنصل عن برنامجه وأطروحاته وشعاراته، لكنه يعني خذلاناً مؤلماً جارحاً للزعيم أو أنه يعني أنهم أصلاً لم يكونوا وحدويين، وكل ما في الأمر أنهم تظاهروا بأنهم وحدويون تكتيكاً وخداعاً، وأن هدفهم الحقيقي منذ تأسيس الحركة كان الانفصال وإيجاد دولة مستقلة في الجنوب معادية وكارهة للشمال. ورغم ذلك فإنهم داخل الحركة الشعبية وخارجها وفي الشارع الجنوبي يطالبون بالجنسية المزدوجة، ويرون أن إقامتهم في الشمال حتى بعد الانفصال إذا ما تحقق، مواطنين وليسوا أجانب، يرونه حقاً، وليس في الأمر غرابة، فهم يحلمون على المدى البعيد أو حتى المتوسط باجتياح المكون الإسلامي العربي أو المستعرب وإقامة دولة لا علاقة لها بالعرب والمستعربين واللغة العربية. ونعيد أيضاً إصرارنا على رفض الجنسية المزدوجة، ولقد ارتكبت الحكومة المركزية أخطاءً كثيرة، ولو وافقت على الجنسية المزدوجة لكان ذلك خطأ آخر كبيراً وقاتلاً، وغير قابل أبداً أبداً للغفران، وسوف يرفضه الشعب في الشمال وسوف يؤدي رفضه لحدوث ما لا تحمد عقباه. ونقول ذلك ولسنا نرجم بالغيب، لكننا نقوله استناداً إلى تعاملنا اليومي مع مختلف قطاعات الشعب الذي إن قبل اضطراراً بتقسيم بلده فإنه لن يقبل أبداً بأي خطر محتمل أو مؤكد على هويته.