سألنا السعادة؟ يا سعادةُ مَن أنت أيتُها السعادة؟ فقالت أنا ضميرٌ نقيٌ فهل تريدون مني استزادة؟ الفيلسوف الألماني (كانط) له مقولة تثير إعجابي وتتصدر كتب فلسفة التاريخ تقول: «لا يهمني أن أصعد إلى القمر بقدر ما يهمني أن أعيش سعيداً على سطح الأرض». ومن هنا نلمح أن الفلاسفة وهم في برج الفكر العاجي لم يكفهم البحث في الوجود والعدم والمعرفة والميتافيزيقا، بل كان وضع معيار للسعادة من الأشياء التي تؤرق مضاجع فكرهم. وفي نظري أن فيلسوف الصين العظيم (كونفوشيوس) قد وضع هذا المعيار؛ في قوله: «أينما تكون احمل قلبك أو ضميرك النقي معك»، فالضمير النقي وهو مكوّن أساسي لاستواء الشخصية أحد أصول السعادة بل الركن الأهم فيها وقد ذكرنا أن الأصول الأخرى هي الصحة والمال نتحصل عليه بالإيمان الكامل بالله سبحانه وتعالى، ومعرفة أن هذه الحياة (فترة لعبرة)، وقناعتنا أن السعادة الحقيقية هي (خير الجميع)، أو كما يقول الفيلسوف الإنجليزي (جون ستيورات ميل): «السعادة ما هي إلا الخير بالنسبة للجميع»، والإنسان الذي يريد أن يُحقق طبيعة سعيدة في الحياة؛ لا يسمح بأن يكون حب الذات والأريحية على مستوى واحد من حيث القوة في ضميره. والإنجاب عزيزي القارئ والذي يُعتبر أحد فروع السعادة لا أصولها قد تنبه القرآن الكريم الى أنه مكوّن غير أساسي لسعادتنا في الحياة، وربما يقود إلى الشقاء، وذلك في آيات بليغات مثل قوله تعالى: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوّاً لَّكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ» التغابن 14 أو قوله تعالى في سورة التوبة: «وَلاَ تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَأَوْلاَدُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللّهُ أَن يُعَذِّبَهُم بِهَا فِي الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُون». وعلم النفس الحديث أبان إلى أهمية استشارة الطبيب النفسي، عندما نفكر بشدّة تؤثر على حياتنا اليومية في واحدة من آثار فقدان أفرع السعادة لا أصولها (مثل العقم، أو الاكتئاب، أو الخوف الدائم من الفشل، أو عدم المقدرة على التعايش بسلام مع الآخرين)، أو اللجوء إلى شخص مقرّب ويظل في هذه الحالات (الله سبحانه وتعالى هو أفضل ملجأ لا يكلفنا شيئاً سوى إخلاص النوايا وصناعة ضميرنا النقي). وقد أشار علم النفس إلى علامات، إذا بدت على ملامح حياة المُصاب (بفقدان واحدة من أفرع السعادة لا أصولها)؛ يجب عليه أن يهرع إلى عيادة الطبيب النفسي، وهذه العلامات سنذكرها مسهبين على مطي الأسبوع المقبل (إن أمد الله في الأجل. وأبعد عنا إبر الحياة والكسل). وفي الختام حتى الملتقى أعزائي القراء أسأل الله لكم اليقين الكامل بالجمال حتى يقيكم شر الابتذال في الأشياء.