{ والأرض الآن مشدودة قشرتها وأعصابها تحسب بدقات الوقت وخطوط الأصابع كم تبقى لها من وقت كي يحدث الانشطار فيها وتتزلزل لتخرج أثقالها، ونحن مثلها مشدوهون نتبارى بالجري والتسابق في الأسواق كمن يتخبطهم الجنّ، نجمع أكبر كميات من العدس والفول والأرز لا سيما الطحين كي يصبح لنا زاداً حين تضيق الأرض على ناسها وتضيق أخلاق الرجال على الحلم والحل. { نخاف أن يأتي زمن الانشقاق وتحرق ناره ما أدخرناه لسنواتنا العجاف، لهذا نحاول فقط المحاولة بإبداء حسن نوايانا تجاهنا وتجاه الآخرين وأن نعرف كيفية إدارة الوقت المتبقي لصالح إحراز هدف في الدقائق الأخيرة للوطن، فما زال لفعل الخير متسع لوقت، ومازلنا نحن حتى الآن من نملك حق تقرير أرضنا بأن يكون عليها السلام أو الحرب، وحدنا نقرر أن تكون بيننا المسرة والمحبة أم الكراهية والانتقام. { وميل القلوب كبير لأن ننضم إلى بعضنا أكثر، أن نقترب إلى بعضنا أقرب، أن نشرع في فتح أبواب التسامح والتواد بشكل أصدق وأشفّ؛ فبلادنا تقف على شفا جرف هاورٍ لا يسلم فيه من بقي على أية جهة مهما اجتهد المفسدون في إجراء عمليات تجميل وشد لبشرة القبح المتمثل بيننا. { وفرصة أعياد الميلاد المجيد لنبي السلام والمحبة والكرامة الإنسانية هي سانحة مواتية لكل ذلك وأكثر بألاّ نتعامل معها على أنها إجازة لراحة أو حفل غنائي ساهر أو ترانيم وتراتيل موقوتة بميعاد الصلاة في الكنيسة أو حتى زيارات تراحم وكلمات رسمية من آباء وقساوسة ورجال دين. بل كي نعرف فيها معنى السلام ومعاني تعاليم السيد المسيح (عليه السلام) وقيمة النضال المسالم لبث أفكاره التي في قيمتها الأسمى المحبة والسلام بين البشر؛ حتى صلبه الذي أصبح كخلاص له، رمزاَ للبشرية جمعاء بالصليب المتعامد على أعناق وقلوب الذين يدينون للمسيحية كديانة أو الذين يؤمنون بغيرها عقائد وديانات أو المسلمون بخاتم الأنبياء والمرسلين محمد (عليه وآله السلام أجمعين). { وكما اجتمع الحواريون حوله ثابتين في مبدأ إيمانهم به وبرسالته؛ نجتمع بإيمان ثابت ويقين متصل وراسخ بأننا في السودان كشعب عادي يغني ويرقص وينام ويحلم بالسلام كيفما كان؛ لا حاجة لنا للانفصال بشكل سياسي أم اجتماعي؛ لأنه سيصبح الإجراء الرسمي لصلبنا على مسامير العنصرية والكراهية وزرع أشواك الحقد والضغائن والروح الانتقامية وكل المشاعر السالبة في سلة العواطف. هو التمثيل الحقيقي بجثة الوطن الذي ما زال بحاجة الى إنعاش يعيد إلى قلبه انتظام دقاته الطبيعية. { فمن الطبيعي بعد كل هذا أن يعود عيد الميلاد ونحن أكثر خوفاً وقلقاً ولا نحتفل به كما كنا كل عام. من الطبيعي أن يكون مظهراً لا جوهراً، من الطبيعي أن نبتعد بأحضاننا عن مشاركة السلام والتمجيد لنبي سلّم حياته لجلاديه كي تبقى بين الناس قيمة المحبة والمسرة. من الطبيعي أن يبدو مشهد الاحتفال كليلة العشاء الأخير؛ الكل يصمت فيه والكل يزدرد لعابه بصوت يكاد يبدو كالمطرقة في البلعوم. من الطبيعي أن نمشي ونضحك ونغني بلا صوت كأنما بلعنا ألسنتنا جميعاً. من الطبيعي أن يبدو الخطاب الرسمي لأعياد الميلاد المجيد كأنه بقايا دخان لعظام كلمات لا ترى ولا تكتب. من الطبيعي أن يكون (الكريسماس) هذا العام في السودان مجرد تذكير بحدث في نتيجة العام. من الطبيعي أن يتكرر في مخيلتنا ذات ما قاله السيد المسيح (عليه السلام) وهو يُصلب (يا أبتِ اغفر لهم لأنهم لا يدرون ماذا يفعلون).