ضمن مساعيها في استقراء الأوضاع السياسية بالسودان؛ استضافت قناة (الجزيرة) القطرية مساء أمس الأول (الاثنين) الأمين العام للمؤتمر الشعبي؛ د. حسن الترابي، وذلك ضمن حلقات برنامجها (من العمق) الذي يقدمه الأستاذ علي الظفيري، الذي ابتدر أسئلته عبر التقديم التالي: (نصف قرن من الزمان ولم يطِب للدولة في السودان استقرارها، تجرعت البلاد وصفات السياسة وجربتها جميعا من يسارها الى أقصى اليمين، وما كان لها إلا أن تودع الوحدة بعد التفريط في مكاسبها. أتمَّ السودانيون ما أراده الآخرون بامتياز. وغداً بعد أن تذهب سكرة التقسيم في البلاد تجيء أسئلة كبرى: كيف هو حال كل شطر بعد أن تشظَّى؟ هل ستتفشى عدوى التفكيك في ما تبقى من البلاد؟ فدارفور وكردفان والشرق وقبائل الجنوب تسأل السؤال ذاته، سؤال الهوية الذى ما وجدت له السلطة جواباً طوال عقود الحكم المتعاقبة على البلاد. واليوم، أيُّها الإخوة، نبحث في مستقبل السودان على بوابة الاستفتاء المصيري المنتظر) { مرحباً بك دكتور، وربما يكون حديثنا هذا هو الحديث الأخير لك كمواطن في السودان موحَّداً، نتمناه شفافاً وصريحاً وعميقاً أيضاً - قبل يومين كان عيد استقلالنا الأخير بلداً واحداً. { ماهو موقفك يا دكتور وماهو موقف حزبك «المؤتمر الشعبي» من الانفصال؟ - بالنظر للمثال، نحن طبعا نؤمن بوحدة بني الإنسان، مهما اختلفت ألوانهم وألسنتهم، ومهما تباعدت الأرض ينبغي دائماً أن يتجاوروا ويتآزروا ويتزاوجوا ويتعايشوا ويتعاملوا، هذه السُنة الأمثل في كل الديانات التي تجمع الناس عباداً لرب واحد. وأصبحت تجربة الإنسان، حتى في الغرب، كلها تسعى نحو التوحد، وسائل الاتصال الحديثة الحمد لله تيسرت لنا، لا بوسائل النقل ولكن بوسائل الاتصال الإلكتروني، حتى الشعوب الأوروبية التي جاءت واحتربت عقوداً وقروناً في الحروب الدينية، ثم في الحروب التي اسمها عالمية، وهي حروب تخصُّهم بالطبع، الآن أدركوا أن هذا الاختصام ما هو إلا تهالك وتساقط.. { (مقاطعة): طبعاً هذا على صعيد المثال؟ - (يواصل): فاقتربوا من مثال الإنسان - في إشارة منه إلى الوحدة الأوروبية - ونحن كذلك حاولنا أن نفعل ذلك في السودان، إذا أقمنا حزباً سياسياً ينبغي أن نعبّر عن معاني الوحدة هذه بأن نجعله منبسطاً في كل السودان. غالب القوى السياسية إما شمالية محضة أو جنوبية محضة، ومن العسير عليها أن تتحدث عن الوحدة وهي لا تتوحد في نفسها، ولكن إذا كانت الوحدة قائمة على الإكراه والضيق وتعسر بين المتوحدين.. فإن تفرَّقا يغني الله كُلاً من سعته، الحرية هي أصل في الوجود. { في ظل هذا الوضع، أنتم في حزب المؤتمر الشعبي تؤيدون هذا الفكاك الذي يحدث بين شطريْ السودان؟ - هذه إرادة نعم، الله سبحانه وتعالى يدعونا إلى أن نتحد بهدايته عبادةً له، ولكن في هذه الحياة الدنيا لا يُكرهنا على ذلك، لا يجبرنا أحد، يترك لنا الحرية. { دكتور، كما ذكرت أنت رجل وحدوي بشكل عام، وحدوي من ناحية المبدأ، وعلى ناحية الصعيد السوداني أنت أحد رموز الإسلام السياسي ومن الرموز الفكرية أيضاً، هل أنت تقبل هذا الأمر من باب النكاية في الحكومة ومن باب العداوة لها والذهاب إلى كل ما يبغضها؟ - كلا، أنا لا أنشغل بمكايدات لسلطة عارضة. وحدة السودان أو تقاسمه هذه قضية مصيرية تتجاوز حياتنا اليومية، وبالرغم من أن القوى السياسية التي أمثلها مطعمة بكل الجنوب، ونحن في سبيل قضية الجنوب والعدالة له سُجنَّا (30) شهراً وحُلَّ حزبنا، فلذلك العلاقة بيننا وبينهم من أوثق العلاقات على صعيد القوى السياسية. { حزبك يتكون من جنوبيين وشماليين، وأنت في الفترة الأخيرة على علاقة جيدة مع الجنوب؛ كان من الأولى التمسك أو النضال حتى اللحظة الأخيرة بالوحدة؟ - من العسير أن تحاجّهم. منذ أكثر من نصف قرن من الزمان أورثنا الإنجليز شيئاً من المجانبة؛ لأنهم عزلوا الجنوب عنا، ثم لما فتحوا الباب وجدنا الفوارق فاحشة بيننا وبينهم ولكن منذ ذاك، لو ربطنا هذه القارة الواسعة، كما يرتبط جسم الإنسان، بالمواصلات، وفتحنا للناس أن يسافروا إلى بلاد بعض وأن يتزاوجوا، ثم من بعد ذلك يتجاوروا؛ لأسسنا مجتمعاً متوحداً متضامناً تقوم عليه بعد ذلك سلطة سياسية واحدة. ولكن نحن في الشمال انعزلنا عنهم شيئاً ما وأصبح الصراع كله بيننا بين القوى السياسية الشمالية، كيف تنفصل وكيف تتحد، وأصبحت وجهتنا كذلك شمالاً وشرقاً، لا نحو الجنوب. { في ظل كل ذلك يكون الانفصال نتيجة طبيعية. سؤال لك يا دكتور: إذا كنتَ مع حق تقرير المصير، طالما ثمة ظلم تعرض له الجنوب طوال نصف قرن، أيضا هنالك ظلم في دارفور، وهنالك إقرار بأن هنالك إشكالية حقيقية. هل أنت مع حق تقرير المصير لدارفور وانفصالها؟ - العقد بيننا وبين الله كله حر؛ في التزاوج ليس لأحد أن يجبر أحداًَ، وفي عقد التجارة كذلك وفي السياسة كذلك؛ فالمواطنة عقد بين الناس. { هل أنت مع استقلال دارفور؟ - لكنني آسى، إذا ترتب على الحرية، أن يفارقني المرء، ولكن أود أن نتشارك، وإذا كان من الجنس الآخر أن نتزاوج وأن نتحد معاً. ولكن آسى أن يخرج منا هذا الخروج بخطأ لا نلوم به التاريخ الاستعماري القديم، ولقد ورثناه فعلاً، ولا دخول قوة استعمارية لها مصالح في إقامة سد في النيل الذى ربط بين شمال أفريقيا وقلب أفريقيا، والعالم كله متدافع، إذا ضعفت المنطقة تهب عليها الهبوب بأهوائها. { دكتور، أريد أن أنتقل إلى قضية الجنوب ما بعد الانفصال، والشمال ما بعد الانفصال، وأنت لك أثرك الفكري والسياسي في المنطقة والعالم بشكل كبير؟ - هنالك ملاحظة أن الوحدة لا تحدث بالوعود، عادةً هنالك عمل. { أفهم من هذه الفكرة لو أن مطالبة في دارفور تحدثت عن استقلال، هل سيقف حزب المؤتمر الشعبي مؤيداً؟ - في دارفور لنا قواعد أيضاً. ودارفور ليست كالجنوب، بل هي ممتدة في وسط السودان إلى أقصى شرق السودان، الولاية التي تجاور إثيوبيا غالب أصول سكانها من دارفور - (يقصد القضارف) - جاءوا قديما للجهاد أيام المهدية، وهم ينتشرون، وقد كانوا معنا في زراعة القطن التى كنا نعول عليها. ولكن هذه الدعوة، مهما اشتدت مظالمهم (يعني أهل دارفور) واحتربت معهم السلطة السياسية، ولكن إلى الآن رفع قضية تقرير المصير ما تزال قليلة. وإذا كنّا نأذن للفرد أن يخرج ونحل الشراكة.. فبالطبع يمكن لأمة من الناس في منطقة كاملة كان لها طوع الخيار. { طيب، أين الدولة إذا كانت كل قبيلة وكل طائفة وكل هوية وإثنية مختلفة ترفع شعار الانفصال، تتفتت الدول؟ - ينبغي أن نستحي نحن، المسلمين، كان المسلمون قديما أمة واحدة يمثلهم رمز واحد هو أمير الإسلام، فتمتد أذرعه وعلاقاته وينفتح التبادل الاقتصادي والثقافي والتجاري في كل الساحة، ولكن ماذا جرى لها من بعد ذلك؟ قامت فينا بإخفاقنا السياسي نحن العصبيات القطرية والقومية وتمزقنا الآن، مزقوا ورضوا بهذا التمزق. الغرب لا يريد أن يجمع كتلاً تقاومه ولكن يؤثر أن تكون قطعاً صغيرة حتى يبتلعها. { السلطة القائمة الآن في السودان إذا ما تم الانفصال، ما هو مصيرها المباشر؟ - أهل السودان، حديثاً، قارة مترامية، لكل منهم حكمه المحلي، إذا حدثتهم عن الخطر القادم في الجنوب، وأنه يتزايد، وأنذرتهم في وقت مبكر، ما كانوا يعنون بذلك كثيراً، ولكن الآن بدأ الهم يحيط بهم، وبدأ الفزع من انفصال الجنوب، قطعة واسعة من الأرض يسكنها أكثر من ثمانية ملايين، وهي أرض في متاع الدنيا ومصالحها موجودة، وهي أرض للمد والتعاون الثقافي والعربي وما يحمله من رسالات، هذه كلها فرص سانحة تضيع على أهل السودان، الفزع اشتد، ولذلك غضبهم اشتد، لاسيما وأنهم يعلمون أن علاقاتهم لن تنتهي إلى جوار وفراق بإحسان كما أمرنا الله سبحانه وتعالى، ولكن تفارقنا بمشادة. ودارفور كانت دولة مستقلة قبل الجنوب وتستعر فيها الحرب والمقاومة، والمفاوضات لم تحط بكل الأزمة. { يقال إن لك كلمة وتأثيراً على بعض الفصائل التى تتفاوض مع الحكومة السودانية، وإذا تدخلت بشخصك أو حزبك يمكن أن يتغير ما يحدث؟ - كلا، هذه دعاية أُطلقت على بعض الذين كانوا في حركة الإسلام حتى لا يجدوا دعماً في الغرب، ولكن كان هو (يقصد خليل إبراهيم رئيس حركة العدل) والسلطة ونحن جماعة واحدة، وكنا نريد أن يكون الحكم كما قام في المدينة على الشورى والمساواة بين الناس واللامركزية. هو خرج لهذه القضايا، ونحن خرجنا سياسة نحتمل السجون من بعد السجون ولكنه هو خرج يحمل البندقية. { لكن لك كلمة على هذه الفصائل؟ - وجهة المجتمع أين تصير واحدة، ونحن نريد أن تنبسط على الدولة الإسلامية الشورى والعدالة واللامركزية. { كنت قد سألتك بخصوص السلطة القائمة، ونحن نشاهد إذا حدث حادث قطار تستقيل الوزارة، وإذا حدثت حادثة كبرى ربما تستقيل الحكومة. الآن انفصل البلد وانقسم الى شطرين، برأيك ماهو مستقبل السودان؟ - طبعا الدول القائمة على الشورى والديمقراطية تستشعر المسؤولية إذا وقع أيما واقع في المنطقة التي يحدث يستقيل الوزير. لكن هذه دولة عسكرية بالطبع تقوم على القوة، ولكن الفزع الذي يصيب أهل السودان والذي قد يصيبهم كذلك إذا تداعى الأمر نحو الغرب والشرق في السودان، وإذا فقدنا غالب ثروة البترول وهي الدخل الأساسي في الموازنة العامة للدولة، وأصبحوا بعد ذلك يستدركونها بالضرائب، وستلقي أثرها على المعاش، وفي الانتخابات الأخيرة أثبتوا للناس أنهم يريدون احتكار السلطة. { وماهو موقفكم كحزب سياسي؟ - الآن كل القوى السياسية المعارضة جربت كثيراً الحوار مع هذا النظام، في بعض المرات ثنائياً وفي مرات جماعياً، وما أجدى الحوار أصلاً، وجربوا كذلك العلاقة مع الشريك لعله يتوسط، وجربوا الدخول في وساطات خارجية ولكنها ما أجدت، وجربوا الانتخابات لعلهم ينالون منها شيئاً ولكنها لم تجدِ، وأيقنوا أنه لابد أن يتبدل الحكم وأن يتغير بحركة الشعب.