بصيغة متناهية في البساطة نقلت الأغنيات عناصر الجذب الموضوعي لنجوم المجتمع القديم، حيث كان السائق ذا وزن ثقيل اجتماعياً، لأن السيارات وقتها كانت ذات عدد قليل! إن كانت ملاكي أو حتى عامّة، فلم تكن المدينة مشتعلة بدخان عوادم السيارات الخاصة مثل الآن، ورغم ذلك كانت نجومية ماركات معينة مرتبطة بشخصياتها، تؤثر على المزاج الغنائي الشعبي إذا صحت تسميته كذلك كما (يا سايق الكريسيدا السمحة وسمح سيدا عربيتك المرسيدس أنت شطة ما بتنقرش! وسيد اللادا الحلاتها، بنمراتها التلاتة..) بالتالي لم تكن الطرق السفرية يرتادها قيادة، إلا البارعين من (السوّاقين) أصحاب السوابق في الخبرة القيادية، والنوابغ في التحكم بالقيادة الليلية والنهارية تأميناً لأرواح الركاب أبشراً كانوا أم أنعاماً. وهم الأكثر شعبية من حيث التغني لما يتمتعون به من شخصية وتحكم ساحر لمن حولهم، ناهيك عن قدرتهم على إدارة الغضب حين تأزُّم المواقف أمامهم كما هو معلوم! وكانت تغني لهنّ الأغنيات في أماكن التجمُّع الخاصة ذاك زمان (يا سايق الترلَّة القاطرها قندران ودو دو بيْ اللوري أريتو كان طار بيْ وسوق يا سواق اطلع العالي وانزل الدقداق). وبدقات بالغة الجدية طرقت الأكاديمية السودانية للطرق والمرور أبواب الثابت في نظريات القيادة المرورية، ليس لتأتي بجديد مبتكر، إنما لتعيد ثقافة مرورية تجاهلها الجميع سهواً بتشكيل مختلف للطرق والطرائق التي يقود بها أو فيها الناس مركباتهم.. لكن بشكل أكثر حداثة ومنهجية. وما ترتب عليه من وجودها المستمر منذ العام قبل الماضي بشراكتها الإستراتيجية مع وزارة الداخلية متمثلة في الإدارة العامة للمرور حيث يمثل السيد اللواء (عابدين الطاهر) رئيس مجلس إدارتها، باعتبارها تعنى بشأن السلامة المرورية والقيادة الصحيحة، وليس كما يُعتقد عنها بأنها جسم خارجي للاستثمار المروري! فالمرور الإجباري بها لطالب رخصة القيادة (عامة أو خاصة) ما يلزمه تحضيرٌ لشهادة تؤكد الحصول على المعلومات النظرية اللازمة لامتحان القيادة العملي، ثم امتحان الرخصة، هو مرور يشهد على تبدل الحال في العقلية المرورية الرسمية التي كانت علاقاتها متوترة مع شركائها على الطريق، حيث كانت قائمة على خطوط العقاب والحساب فقط بدون التوجيه والتدريب. فالنقلة الكبيرة أو الطفرة التقنية التي غيّرت من النظام المروري منتصف التسعينيات الماضية ألزمت بواقعها أن يتم تغيير على المستوى النظري كذلك، ليس للفئات النظامية المرورية إنما لشركاء الطريق، وصاحبت التوعية وغالباً ما تسبق الأسابيع المرورية المحلية أو الإقليمية تغطية بقواعد السلامة وآداب القيادة لكنها ظلت اجتهاداً فردياً للمتلقين ثمّ حكماً عرضياً لا يستوجب القيام به كل مرة للإدارة العامة للمرور. ناهيك عن التنقلات الداخلية للمديرين التي تغير من السياسات المنتهجة كل مرة في نظام العمل المروري.. بالإضافة إلى عدم التقيد بمعرفية ثابتة في ما يتعلق بالحصول على رخصة القيادة العامة، والتطور الوظيفي العالمي الملزم بالتحرك في كافة البلدان باختلاف عاداتها المرورية لكن بالاتفاق على مبادئ سلامة مرورية ثابتة، كل هذا استدعى ضرورة أن تكون هناك أكاديمية معنية بتدريب وتأهيل قائدي المركبات بفكرة مطابقة لتجربة أكاديمية رأس الخيمة للطرق والمرور بمبادرة متبصرة وقتها من سعادة اللواء (عبد الله أبو دومات) المدير السابق لمرور ولاية الخرطوم لتحقيق أعلى درجات السلامة المرورية للمحافظة على أرواح الناس.. لتحقيق وتنفيذ واكتمال حلقة (السائق السليم في المركبة السليمة على الطريق السليم) كما ورد في منهاج الأكاديمية. إن العلمية والإيجابية في التطور التقني ملزمتان أن تكون القيادة قائمة على منهاج ثابت يعتمد تدريسه للجميع كنوع من التطور المجتمعي المصاحب لكافة التطورات الأخرى، وليس مجرد ترف بذخي لأصحاب الفراغ الوقتي، أو فرض صرفي لأصحاب الحاجة الوقتية للحصول على رخصة...! نواصل القيادة...