ترتيبات ما بعد المصير عند الساسة والوزراء التنفيذيين أشبه بالمشي وسط حقول الألغام، كون اللا متوقع دائماً ما يسفر عن نفسه مع اقتراب الإعلان عن (فرز عيشة) بلدين. وترتيبات ما بعد الاستفتاء بشأن الاتصالات وأوضاع شركاتها بالجنوب تظل من القضايا الهامة.. مسألة تراخيصها ومصير الشركات القديمة التي تعمل هناك بعد أن آلت الأوضاع للانفصال الذي تدعمه كل القراءات الواقعية.. تأثير الانشطار على الاتفاقيات الدولية مع حكومة السودان، الترقيم والرموز بين الشمال والجنوب والحديث عن ضرورة إشراف الاتحاد الدولي للاتصالات على نطاق الترددات. (الأهرام اليوم) جلست إلى وزير الاتصالات وتقانة المعلومات د. يحيى عبدالله وطرحت عليه التساؤلات المقلقة حول هذا الموضوع، واضعين في الاعتبار أن المسائل العالقة ستتناسل، بل وستتوالى في الظهور يوماً بعد يوم، ببساطة لأن الدول لا تنقسم كل يوم ..!! بمكتبه الفخم في برج الاتصالات المطل على شارع النيل، بالطابق رقم (23)، سألنا الوزير كذلك عن موضوعات حجب و(تهكير) المواقع والصحف الالكترونية، وعلاقة الوزارة بالأمر، إذ أن هناك بعض الاتهامات لها بهذا الخصوص، وكذا استفسرناه حول وجود قانون يتيح التجسس ومراقبة الهواتف.. وقضايا النشر الالكتروني كانت حاضرة في حوارنا، كما لم ننس (الدردشة) معه حول الآثار الأخلاقية والتربوية للشبكة العنكبوتية.. أيضاً الهيئة القومية للبريد والبرق وما آلت اليه كانت حاضرة هي الأخرى ضمن أسئلتنا. استمع الوزير إلى جميع أسئلة (الأهرام اليوم) ورد عليها وكانت حصيلة ردوده هذا الحوار: { مقاطع الفيديو التي يتم إطلاقها في الإنترنت عبر جهات مجهولة .. كيف تتعاملون معها؟ - المواقع هذه إذا صارت مخلة بالآداب نحجبها، والنظام نفسه عندما تدخله يكون لديه (ايميل) ويمكن المراسلة عن طريقه لإضافة مواقع، ولدينا مواقع يرى كثير من المواطنين أنها يجب أن تحجب، وإخواننا في الهيئة لديهم إدارة تختص بهذا الأمر، وهي لا تحجب مباشرة، بل تتقصى وتتأكد ثم تقوم بالحجب إذا اقتضى الأمر، وقد يتم حجب موقع ويتظلم أحد المستفيدين ويطلب إلغاء الحجب، ولدينا في هذه الحالة موظفون مختصون وتقنيون بمهارات عالية ينظرون في الأمر، وإذا رأوا أن يتم فك الحجب يُفعل ذلك. والإشكال الآن - كما قلت لك - في نظام الحجب أنه بدأت الطلبات تزيد، وبدأنا نوسع في قوالب النظام كي يستوعب الزيادة الحالية والمتوقعة في الربط بالانترنت. { مقاطع الفيديو مثل (جلد الفتاة) الذي أحدث ضجة، هل هنالك نظام يمكن أن تعرفوا من خلاله مصدر إدخاله؟ - أي مقطع فيديو، أيا كان نوعه، تستطيع نشره في أي موقع في العالم، وإذا كان لدينا هنا في السودان نستطيع أن نحجبه، ونتابع من الذي قام بإدخاله، وأحيانا كثيرة التقنية تتيح لك فرصة التعرف، لكن هذا بحسب درجة الاحترافية التي تم بها (رفع) المقاطع، وأنا أتحدث بشكل عام. { هنالك آثار اقتصادية مترتبة على الاستهلاك في قطاع الاتصالات، هل سعت الوزارة إلى وضع أسس وضوابط لدرء هذه الآثار؟ - مثل ماذا؟ { مثلاً تجد جميع أفراد الأسرة لديهم هواتف سيارة، وهذا قد يؤثر في وضعهم الاقتصادي، ماذا تفعل الوزارة لتوعيتهم؟ - التوعية مهمة، وهذا دور الإعلام، والمواطنون بدلا من أن يتحدثوا عن الأبراج وضررها على البيئة والصحة يتحدثون عن الجهاز (الهاندسيت) وضرره، وهم يتحدثون بطريقة بسيطة، مثلا يكون هنالك برج على بعد (2) كيلومتر من المواطن، وهو ب (موبايله) يكون داخل الشبكة.. هذا البرج يرسل إشارة وذاك البرج يرسل إشارة، والأخطر على المواطن هي الإشارة التي تخرج من البرج الذي بالقرب منه، وبالتالي ضوابط الحماية في استخدام الهاتف هي عدم استخدامه في الحديث لفترة طويلة، واستخدامه في أهداف محددة، واختصار الحديث، وهذا يؤدي إلى تقليل الفواتير، بالإضافة إلى أن الهيئة القومية للاتصالات هدفها أن تعمل على تنظيم قطاع الاتصالات في السودان ومن بينها التعرفة وتفاصيلها، وتناقشها الهيئة مع شركات الاتصالات، ولم يكن هدفنا أن تحقق الشركات ثراء فاحشاً، وفي نفس الوقت لا نريد أن نغلق الشركات، ولذلك الأمر حساس جداً وتقوم به الهيئة بوعي كامل وإدراك، وهذا يشهد به الجميع، ونشكر الهيئة على المجهود الذي تقوم به، ونحن نتابع ونرسم السياسات معها، ولدينا مجلس شورى يضع السياسات وخارطة الطريق للهيئة كي تستمر في التفاوض مع الشركات في الأمر، لكن استخدام الشخص الصحيح للموبايل يعود إليه. { الهيئة القومية للبريد والبرق.. هل تتبع إلى وزارة الاتصالات وتقانة المعلومات؟ - لا توجد ما تسمى الهيئة القومية للبريد والبرق الآن، فالسودان في عام 2010م حول الهيئة إلى الشركة السودانية لخدمات البريد (سودابوست)، والآن هي تتبع لجهاز ضمان الاستثمار، ونقف على نشاطها، ونتمنى أن تكون انطلاقة للبريد في السودان كما حدثت الانطلاقة في قطاع الاتصالات في عام 1993م بخصخصة الهيئة القومية للمواصلات السلكية واللاسلكية، ونتمنى أن تؤدي التجربة التي سار فيها السودان في خصخصة قطاع البريد إلى اختراقات جيدة، وهم بدأوا نشاطات ملحوظة، منها توصيل المعاشات إلى المعاشيين، وبدأوا كذلك مع وزارة الكهرباء في دفع رسوم العدادات لديهم، ونأمل أن تمتد خدمات (سودابوست) إلى مشاريع الحكومة الإلكترونية بصورة جيدة، لكن - للإجابة على سؤالك تحديداً - يفترض أن تشرف الوزارة وتنظم قطاع البريد كما تشرف وتنظم قطاع الاتصالات وتقانة المعلومات. { بخصوص ترتيبات ما قبل وبعد الاستفتاء، هل تم الاتفاق بين الشمال والجنوب بشأن الاتصالات ونطاق الترددات؟ - ليس نطاق الترددات، فهذا مقدور عليه، والجنوب، إذا حدث الانفصال، الخطوات المعتمدة أن تقوم دولة منفصلة، تبتدئ ترتيباتها في قطاع الاتصالات، وما يهمنا هو أن تستمر شركات الاتصالات التي تعمل الآن في الجنوب واستثمارتها، وجميع شركاتنا تقريبا تعمل الآن في الجنوب ولديها محطات، ويهمنا أن يستمر هذا الأمر للتواصل، كما يتم بين أي دولتين موجودين في العالم، ويهمنا أن يكون ذا طبيعة خاصة بين حكومة الشمال والدولة التي قد تولد في الجنوب، والمهم هو التنسيق، والآن هنالك لجان تعمل بصورة دقيقة وتناقش كافة التفاصيل لتداركها خلال الفترة الانتقالية إذا حدث انفصال. { هل ستستمر شركات الاتصالات التي استثمرت في البنية التحتية في جنوب السودان بدون حاجة إلى تراخيص جديدة؟ - حكومة الجنوب يجب أن تفتح المجال لهذه الشركات كي تنطلق وتستثمر في الجنوب بصورة أكبر وتزيد استثماراتها كي تعطي تغطية أفضل في الإقليم، لأن الشبكة في الشمال تم بناؤها في عشرات السنين، ولكن الشبكة في الجنوب أتيحت لها فرصة بعد توقيع اتفاقية السلام الشامل لتبتدئ في البناء، ونحن نتحدث عن شبكة بدأ الناس يبنونها في مناخ الاستقرار، ويفترض أن حكومة الجنوب تستدرك هذا الامر بصورة جيدة وتحفز الشركات على الاستثمار وزيادة تغطية الشبكة في الإقليم وتعطيها الدوافع المناسبة كي تستثمر بصورة أفضل، وخصوصا في ظل البيئة الجديدة الموجودة لديهم، لأنه ما زال الجنوب يحتاج تغطية أوسع، والمستثمر يجب أن تمهد له الطريق حتى لا ينسحب، لكن هذا الأمر متروك لحكومة الجنوب، في حالة الانفصال لا قدر الله، وهذا هو الحوار الذي يدور لنشجع هذه الشركات أن تستمر في عملها. { لكن هنالك شركات دفعت التراخيص لحكومة السودان وبدأت تعمل في الجنوب .. هل تدفع تراخيص للمرة الثانية؟ - هذه الشركات أخذت تراخيصها من حكومة قومية للسودان جميعه، والتراخيص التي تم دفع رسومها لحكومة السودان جزء منها ذهب لحكومة الجنوب بحكم أنها جزء من السودان، فما دفعته الشركات ذهب إلى المالية التي تصرف على الشمال والجنوب بنفس القدر، وهذا الأمر اتحادي، هذا هو التفكير الذي يجب أن يسير، لأن الجنوب حال الانفصال سوف يحصِّل من الشركات ضرائب وغيرها، وبعد ذلك من حقه أن يدرس وضعه، وهل يمكن أن يتيح الفرصة لشركات جديدة كي تدخل السوق.. وهذا أمر سابق لأوانه في الوقت الراهن. { لكن حكومة جنوب السودان قالت إنها ستطالب شركات الاتصالات بدفع (200) مليون دولار، قيمة الرخصة للعمل في الجنوب.. ما تعليقك؟ - أنا لم أقرأ هذا الخبر في الصحف، لكن إذا صح أن حكومة الجنوب ستطالب الشركات بأن تدفع مبالغ، يجب على حكومة الجنوب أن تدرس هذا الأمر أكثر مرة، لأنه سيؤدي إلى إحجام المستثمرين عن العمل، وهذا نناقش فيه هذه الأيام، وأكيد هم يناقشون فيه بنفس المنطق، لأن الاستثمار في الجنوب وتشييد بنيات جديدة صعب في الوقت الراهن، ونحن نتابع مع شركات الاتصالات لتنتشر في الجنوب، ودائما العذر الأساسي عندها يكون التكلفة الباهظة للأبراج، وكل دولة لديها خصوصيتها في تحديد التكلفة، وهذا الأمر يحتاج إلى دراسة عميقة، ونحن كي نحدد مبلغاً للرخصة نكلف لجنة تنعقد لفترة شهر تقريباً كي تحسب البرامج المختلفة لأن المسألة معقدة جداً.. فمن أعقد النماذج التي تحسب فيها تكلفة هو نموذج الاتصالات، لأنك تجري حسابات في جوانب صعبة، منها التعداد السكاني والتغطية وتكلفة الأبراج والنقل والربط بالإنترنت وبالعالم، لذلك نحتاج لخبرات كبيرة كي نحدد المبلغ المناسب للرخصة، وفي النهاية المسألة يحكمها العرض والطلب، لأنه إذا رفعنا سقف المطالب سينسحب المستثمر. { في حالة توقيع حكومة الجنوب اتفاقيات جديدة ما هو مصير شركات الاتصالات التي كانت تعمل في الإقليم؟ - حكومة الجنوب وقعت اتفاقيتين مع شركتين، ونحن عندنا ثلاث شركات تعمل في الجنوب، اثنتان منها أخذتا ترخيصين من حكومة الجنوب، وصارت هناك خمس شركات اتصالات تعمل في الجنوب. الثلاث شركات هي (زين) و(أم تي ان) و(سوداني)، وفي الإقليم مشغلان آخران هما (جيم تل) و(فيفا)، ويعملان في الجنوب فقط، وهذا يعني أن هناك خمسة مشغلين، وهذا الرقم كبير بالنسبة للجنوب والتعداد السكاني به، وإذا فكر الإخوة بحكومة الجنوب في هذا الأمر يجب أن يدرسوه بصورة جيدة، ونأمل أن يكون التواصل مستمراً بيننا، وكل ما لدينا من معلومات أو خبرات في هذا المجال نوفرها لهم، لكن هنالك معادلات في السوق تحدد عدد المشغلين حسب السكان، وهنالك تجارب عالمية كثيرة في هذا المجال. { هل الشركتان الجديدتان اللتان تعملان في الجنوب فقط، يمكن أن تؤثرا على الشركات الوطنية القديمة؟ - الشركتان لم تكونا جديدتين، بل تعملان منذ فترة، لكن لم تستطيعا أن تحققا الانتشار في الجنوب، وذلك أمر صعب يحتاج إلى إمكانات هائلة، وعندما تريد أن تذهب في اتجاه التنمية وتطور القطاع الخاص يجب أن لا تضع له العراقيل في طريقه، لأنه يحتاج إلى رأس مال كبير لبناء الشبكات، فإذا فرض عليه مبلغ مالي كبير في الترخيص هذا يؤدي إلى عدم تشجيع المستثمرين. { هل سيؤثر الانفصال على الاتفاقيات الدولية الموقعة مع حكومة السودان بشأن الاتصالات؟ - لا طبعا، فأي دولة، بعد أن تعترف بها الأممالمتحدة، يحدث اتفاق (الكود)، وتأخذ رمزاً جديداً، وعندما يتم ذلك تبدأ التنسيق معنا نحن ودول الجوار الأخرى في طريقة عمل شبكتها، وهذه خطوة بعيدة جداً علينا، وهذا يتم بعد أن تنتهي كل المسائل السياسية الأخرى، لكن الاتحاد الدولي للاتصالات يُعنى بهذا الأمر ويقوم بتنسيقه، وهو كيان تابع للأمم المتحدة. { هل تم الاتفاق بشأن الترقيم والرموز بين الشمال والجنوب، أم سيتم بإشراف الاتحاد الدولي للاتصالات؟ - هذا الحديث مبكر، ويكون حال أن تعلن دولة، الاتحاد الدولي للاتصالات لن يتدخل أو يتحدث في هذا الأمر إلا إذا أعلن قيام دولة جديدة أخذت عضوية في الأممالمتحدة، ومن ثم بعد ذلك يصدر الأمر إلى كل الأجهزة التابعة للأمم المتحدة لتقوم بتنزيله إلى أرض الواقع، ومن ضمنه نحن بطبيعة الحال. { هنالك حديث يدور عن ضرورة إشراف الاتحاد الدولي للاتصالات على نطاق الترددات لدولتي الشمال والجنوب حال الانفصال لضمان عدم حدوث مشاكل بين الدولتين؟ - لا يوجد حديث بهذا الشكل، واللجان المشتركة بيننا لا يتوقع أن تحدث بينها إشكالات في هذا الأمر إطلاقاً، لأن دول العالم يجاور بعضها بعضاً، وهنالك أسس وإرث واضح للتعامل في هذا المجال، ولا يتوقع أن يكون هنالك خلاف كي يتدخل الاتحاد الدولي للاتصالات. { السيد الوزير.. قبل أن نشكرك، إذا كانت هنالك مسألة لم نتطرق إليها، أو لديك رسالة تريد أن تبعثها إلى المواطنين أو إلى شركات الاتصالات أو أية جهة، نتيح لك المساحة؟ - ما أريد أن أضيفه أننا رفعنا شعار التقارب بين تقانة المعلومات والاتصالات، وفي مشاريعنا هذه الأيام نعمل لتجهيز البنية التحتية لقطاع الاتصالات وتقانة المعلومات لتقديم خدمات ملموسة للجمهور، وندعو إلى تفعيل استخدام أجهزة الحاسوب والموبايل بالمنازل، والهواتف لديها استخدامات كثيرة جداً، ونأمل أن نستفيد من هذه الخدمات والتقانات الموجودة، وندعو المواطنين إلى أن يحسنوا استخدام هذه التقانات ويستثمروها الاستثمار الأمثل، وتقليل زمن المكالمة والتحديد في الحديث، لأن الشعب السوداني يثرثر كثيراً في الهواتف، ونريد أن يقل هذا الحديث كي نستثمر هذه الشبكة استثماراً أفضل، فنحن نمتلك شبكة ممتازة مقارنة بدول الجوار، والوزارة وضعت خططها ومشاريعها وبدأت التنفيذ، ونتمني من المواطنين أن يساعدونا في تحقيق الحلم، ونبدأ بالخدمات الالكترونية، ونطالبهم بأن يسألونا دائماً عن الخدمات، وأين هي الحكومة الالكترونية، ونسعى للتنسيق مع الوزارت والجهات الحكومية في أن نقدم هذه الخدمات للجمهور خلال الفترة القادمة، وأكملنا البناء الهيكلي للوزارة وبدأنا نستعد للانطلاق، وهنالك رسالة أخيرة، وهي أن يكون الإعلام حكيماً في تناول أمور الاتصالات، وأنا أعجبت بطرحك للأسئلة لأنك أتيت كي تتأكد من الجهة المعنية.. وأبوابنا مفتوحة، وكل ما يظهر يمكن أن نرد عليه في الإعلام، وهنالك بعض (البلبلة) حدثت في بعض وسائل الإعلام، وأشياء لا يسندها أي عقل أو منطق علمي، وإذا كان هنالك أي موضوع طرح فأبوابنا أكثر انفتاحا، وجميع مشاريعنا مفتوحة أمامكم، فالإعلام أحد الأذرع الهامة، ونحن نريد أن نرفع به الوعي التقني للجمهور ورفع ثقافة استخدام تقانة المعلومات في السودان إن شاء الله.