كل الأوساط السياسية والمهتمين بشأن السودان يترقبون عن كثب اليوم موقف الصادق المهدي المفكر السياسي وزعيم حزب الأمة لجهة ما أعلنه مؤخراً من أنه سيعتزل السياسة في هذا اليوم 26/1، فهل ما زال الرجل عند موقفه الذي أعلنه؟ . سؤال ما زال مطروحاً. فالإجابة قطعاً ليست ملكه بل ملك الشعب الذي لم يطلب حتى الآن من أي كاريزما أن تخرج من المسرح السياسي باعتبار أن الوطن ما زال محتاجاً للجميع، فالصادق المهدي مهما اختلف الناس معه أو اتفقوا يظل رقماً سياسياً مهماً في الحياة السياسية السودانية فهو من القيادات العالمية التي نفاخر بها وله رصيد معرفي وسياسي كبير نتمنى أن يترجمه لما فيه خير البلاد وجمع الكلمة. فالاعتزال إذن هو موقف سياسي لا يشبهه بأي حال من الأحوال، كما أن أدبنا السياسي وقاموسنا هنا ليس فيه رصيد زاخر أو سوابق من ذلك (الاعتزال السياسي). فلا سوابق هنا منذ الاستقلال وحتى الآن تشير إلى أن هناك من ترجل عن السياسة أو مقاعد الحكم بطوعه سواء أكان فردا أم جماعة. فالزعيم الراحل إسماعيل الأزهري أبو الوطنية طالب في يوم من الأيام بأن تكون رئاسة مجلس السيادة دائمة له وتم تعديل الدستور تحقيقاً لهذه الغاية، وكما أن الراحل السيد أحمد الميرغني رئيس مجلس رأس الدولة السابق عندما خرج حزبه من حكومة الصادق المهدي إبان الديمقراطية الثالثة رفض المغادرة مع حزبه وبقى في موقع الرئاسة. وقبلاً أيضاً أعلن الرئيس الراحل جعفر محمد نميري استقالته أمام قادة الجيش من رئاسة الجمهورية، وقال لهم اذهبوا لمدة أسبوعين لتكييف القرار دستورياً وسياسياً فصدقوا ذلك وبعد الأسبوعين أقالهم، وكانت هي تمثيلية أيضاً. عليه نقول للسيد الصادق فقهنا السياسي ليس فيه استقالات ولا اعتزال ولا نحتاج لذلك لأننا وصلنا لدرجة وعي سياسي نقول إن السودان يسع الجميع. وعوداً للمشهد السياسي، وكما قلنا أنْ ها هو مارثون الاستفتاء قد انتهى وها هو الجنوب قد بدأ يتهيأ لإعلان الدولة الجديدة وها هو الشمال أيضاً يتهيأ لاستقبال الحدث، وما بين هذا وذاك تظل القوى السياسية في الشمال في حالة ترقب وحراك تارة ايجابي وتارة مضاد خاصة أحزاب المعارضة في مواجهة أحزاب الحكومة ، وفي هذا تتداخل اتجاهات القوى السياسية اختلافاً .. تحالفاً .. استقطاباً، إذن فالكرة تتدحرج نحو المواضيع المهمة من عمر السودان الدولة الواحدة أو الدولتين، وبالتالي لابد من أحزاب الحكومة والمعارضة أن توفر الأجواء لإحداث حراك وطني عام بعيداً عن أجواء التوتر والشحن العقدي أو الطائفي أو الاستقصائي، حراك يمكن البلاد من العبور بنجاح ويعزز من قيمة الدفاع عن المصالح الحيوية ، وهذا كله لن يتأتى إلا بسلوك سياسي راشد ومسؤول من كل القوى السياسية الحكومية والمعارضة، فالكل قد استفاد من تجارب الماضي ووعي الدرس. إذن هي مشاركة فاعلة من أجل الوطن ندخلها بصدق وقلوب نظيفة طيبة بطيبة أهل السودان.