لو صح التقدير أن صوت الشباب المخنوق على مدى زمن طويل لم يجد مناصاً سوى الانفجار بصورة بدت لافتة للكثيرين، فإن الواقع الجديد أملته بعض المتغيرات التى اجتاحت الوطن العربي على حين غفلة، فجأة وعلى غير المعتاد يتصدر المشهد الراهن أبطال كانوا في حكم الغياب والمناجاة الموغلة في الرمز «سوف أصنع لي فتاة من دماي كي تقدسني وتبكي عند موتي وأسميها نضال.. إن هذا الاسم أقرب من دمي». غير أن الرغبة في التغيير تأتي دفعة واحدة لتفرض شروطها ومنطقها على الجميع بمعطيات الشارع الكبرى، فالشباب الذين انصرفوا في مطاردة الأماني والخدر السياسي واجترار ذكرى القديس (فالنتاين) في عيده المتزامن مع صحوتهم هذه الأيام، كشفوا عن قوة ناهضة ونابضة بدأت تتشكل أطرها في مواجهة مصائرهم، مما اضطر كثيراً من الأنظمة العربية إلى الالتفات لهم والعمل بشكل جاد على التحاور معهم، والحال في السودان لا يختلف كثيراً، سيما وأن عدوى التظاهرات بدأت تنتقل بشكل تدريجي، الأمر الذي جعل الحكومة السودانية تشرع بالفعل في صناعة مائدة جديدة للحوار مع هؤلاء الشباب تحت مسميات مختلفة، بعد أن تمكنوا من التسلح بسلاح المعرفة وتعددت وسائل التواصل بينهم. غير أن المنطق الملازم لصحوة جيل (الإنترنت) جعل الأضواء تتركز حولهم بكثافة مهولة، مما جعل لصراخهم رائحة التغيير المنشود، ونشدان ما لم يدرك عبر القوى السياسية التقليدية. الرئيس عمر البشير أكد على حرص الحكومة والمؤتمر الوطني على الاهتمام بالشباب والاعتماد عليهم في المرحلة المقبلة، وكشف عن أن التشكيل الوزاري الجديد سيكون 90% منه من الشباب، وأمَّن البشير على القضايا التى طرحها الشباب ووصفها بالمهمة، وقال إن المؤتمر العام القادم للحزب سيختار قيادات جديدة من الشباب. غير أن السؤال المربك، بعيداًً عن ثورة الفيسبوك المجهضة، هو: ترى لماذا هذا الاهتمام؟ هل اقتنعت الحكومة أخيراً بضرورة الحوار مع هؤلاء الشباب لكونهم أغلبية بدأت تحدث عن نفسها بشكل ثائر؟ أم هي فقط مجرد محاولة لامتصاص غضبة الشارع؟ هل مطالبهم ستجد أذناً صاغية بما فيها رغبتهم في التغيير والإصلاح وأحقية تصدرهم واجهات العمل السياسي والمشاركة في الحكومة المرتقبة في بشكل حقيقي وجاد؟ هل عليهم تكوين أحزاب سياسية شبابية تمثلهم بشكل مطلوب؟ ولماذا تجاوزت الحكومة شريحة على هذا القدر من التأثير ومضت تحاور قادة الأحزاب التقليدية التي تضج بصراع الأجيال المحسوم لصالح الكبار دائماً؟ هل سينجح الشباب في بلورة مطالبهم والخروج بحلول تؤمن لهم حاضرهم ومستقبلهم المزدحم بالمخاطر؟ الراجح أن الحكومة لم تكن تعتقد أن التيار الشبابي غير المنظم سوف تتعالى أمواجه بشكل متسارع، وبدا أنه من الصعوبة تجاوزه في سلسلة الحوارات التى ابتدرتها الحكومة مع القوى السياسية في القضايا المتصلة بالموقف السياسي الراهن توطئة للحوار حول المشاركة في السلطة، لتغوص في أجندة الحوار مطالب جديدة تخص فئة بعينها لم تكن ممثلة من قبل، وقد ظهرت في الفترة الاخيرة هيئات شبابية مختلفة أبرزها جمعية حماية المستقبل ذات النشاط الوافر، (شرارة) شباب من أجل التغيير الذين تصعادوا في كل المساحات، وجمعية (قرفنا) وغيرها من الواجهات المناهضة للقهر والإقصاء كما يرددون. المؤتمر الوطني على لسان نائب أمين الشباب زهير حامد كشف عن شروعهم في البدء بالحوار مع الشباب عبر حزمة من المنابر. وقال زهير ل (الأهرام اليوم): بناء على توجيه رئيس الجمهورية أسسنا موقعاً في الفيسبوك وفتحنا عدداً من (السيرفرات) لتلقي طلبات الشباب. وأضاف أن أمانة الشباب بولاية الخرطوم أدرات حواراً مطولاً مع مجموعة من الشباب طرحت فيه مجمل القضايا التى تؤرقهم وكان النقاش ثراً. وأضاف أنهم بعد جلسة تأكد لهم أن هؤلاء الشباب لا ينتمون لأي تنظيمات سياسية ولا يعارضون النظام ولكنهم يبدون رغبة جيدة في النقاش بخصوص مستقبلهم، وقال: لقد دار الجدل كثيراً بيننا وبينهم في قضية البطالة التى تمسهم بشكل مباشر. وحول مطالبهم السياسية قال زهير إن الشباب يريدون حرية لنشاطاتهم السياسية والثقافية ولذلك تقدموا بطلب بخصوص النادي الأمريكي الذي تحول إلى ناد عالمي، وأشار إلى هنالك سلسلة من اللقاءات سوف يبتدرها الشباب برئيس الجمهورية على أن تشمل الدكتور نافع والأستاذ علي عثمان محمد طه، وهى لقاءات مكاشفة تتعدى العمل التنظيمي، معربا عن أمله في ضرورة توسيع مظلة الحوار لتشمل شباب الفيسبوك الذين يعمل جلهم خارج البلاد، واصطحاب المجموعات الشبابية خارج أروقة المؤتمر الوطني، وأكد أن الحوار سيوجه عبر الوسائط الإعلامية المختلفة لكل الشباب. زهير أشار أيضاً إلى أن الشباب قوة حقيقية بدأت تحدث عن نفسها، مستدركاً أن شباب الفيسبوك الذي دعوا للخروج والتظاهر ثبت لهم أن الرسائل التي يتداولونها خرجت كلها من (سيرفر) واحد، آلاف الرسائل كان مبعثها جهاز كمبيوتر من دولة محددة، مما يشير إلى أن أن ثمة جهات تستغلهم، وأضاف أن تحريضهم للخروج ضد النظام ليس هو الوسيلة المناسبة للتغيير وتحقيق المطالب المشروعة التى أقر بها ابتداء. وطالب زهير بالإفراج السريع عن الشباب المعتقلين، وقال إنهم تابعوا أمس الأول مرحلة الإفراج عن المجموعة الأولى، ونادى بضرورة إطلاق سراح جميع المعتقلين بشكل فوري باستثناء الذين يريدون إشاعة الفوضى والتخريب. وختم زهير حديثه بأن شباب المؤتمر الوطني يمثلون (33%) من نسبة الشباب في السودان الذين يبلغ تعدادهم حوالي (9) ملايين، بينما يمثل الشباب الذين لا ينتمون لأي تنظيمات سياسية (60%) بحسب آخر إحصائية قاموا بها وثبت لهم أن نسبة شباب الأحزاب فقط (7%). وحول مشاركة الشباب في الحكومة القادمة قال زهير: من الأفضل أن تؤسس مشاركة الشباب في هذا الوقت في قيادة المجتمع والعمل الثقافي والرياضي، مشيراً إلى أن الحوار بخصوص المشاركة في الحكومة يعني شريحة محددة، والقضايا التى تمس الشباب تتمثل في الفقر والبطالة والتدريب، وهي قضايا يدور حولها النقاش هذه الأيام في منابر متعددة. عدد ليس قليلاً من شباب الفيبسوك قالوا إنهم سمعوا بالدعوة للحوار في الأجهزة الإعلامية ولكنهم لم يشاركوا في أي حوار، وأضافوا ل (الأهرام اليوم) أن الحوار يدور داخل أروقة المؤتمر الوطني عبر واجهاته التى تفضل الإقصاء بدلا عن الحوار. فيما أبدت الناشطة في العمل السياسي نسرين عمر دهشتها من تصرفات المؤتمر الوطني مع الشباب والقهر الذي يتعرضون إليه، وقالت للصحيفة إن المشكلة أفرزتها متغيرات كثيرة وقد كان الصمت سيد الموقف حيث لا تحاور الحكومات إلا الأحزاب السياسية التى يمارس فيها إقصاء للشباب، مما جعل تأثيرهم يكاد لا يُرى، وهذا التجاهل هو الذي تسبب في إشعال الثورات. وأضافت أن حركة (25 يناير) المصرية كانت معروفة وأعلن عنها منذ وقت طويل، ولكن الحكومة المصرية استخفت بها حتى اندلعت الثورة، وهو نفس المنطق الذي يتعامل به المؤتمر الوطني. ومضت نسرين إلى أن الاحتجاج الذي بدأ يتسع في الأيام الماضية ليس هو من أجل الاحتجاج وإنما هو تعبير عن رغبة صادقة في التغيير والاصلاح. وشككت في الاحصائية التى كشف عنها المؤتمر الوطني بأن (33%) من شباب السودان (مؤتمر وطني)، وقالت إن مطالب الشباب تكاد تكون مجمع عليها، واستطردت: إن أي شاب من حقه أن يحصل على فرصة عمل بغض النظر عن انتمائه السياسي والقبلي، وأن يتمتع بالحرية والكرامة في وطنه. وطالبت نسرين بإلغاء بعض القوانين التى تكبل طاقات الشباب وتستهدفهم بشكل مباشر، وأشارت إلى أن وأحدة من أخطر مسببات الثورات هى البطالة والقهر وسيطرة الأحزاب الحاكمة على الوظائف، وقالت: إن من حق الشباب أن يجدوا التمثيل السياسي المناسب ويساهموا في التنمية والنهوض ببلدانهم، وزادت أن المشاركة في الحكومات ليست حصراً على الكبار، وأن الشباب لن يقبلوا بعد اليوم أن يمتطي أحد ظهورهم أو يجلسوا على الرصيف. وأضافت نسرين أن القوى الشبابية الناهضة سوف تقود عملية التغيير في المرحلة القادمة وسيكون لها تأثير غير محدود في الخارطة السياسية، مطالبة الأحزاب التقليدية بإفساح المجال للشباب لتسنم مواقع القيادة.