{ ويبدو أنه قد كُتب لعلاقتنا أن تبقى من على البُعد، فأنت لا تسمح لي بأن ألتقيك لأسباب تعلمها وحدك وتدفعك لزيارتنا «بالغفلات» ودون إخطار مُسبق، فهل يعني هذا أنك تُمعن في الجفاء؟ وأي جفاء هذا وأنت قد اعتدت علينا بالقدر الذي منحك الحق في زيارتنا كيفما شئت؟! بل أنك منحتني الإحساس بأنك تداوم على مراقبتنا بدقة اغتناماً للفرص، فقد كنت أحسب منذ زيارتك السابقة القريبة أنني قد اتخذت كل التحوُّطات اللازمة التي تبقيك بعيداً، مع أن الخوف الذي زرعته بأعماقنا منذها لايزال يلازمنا ويسيطر على تحركاتنا لا سيما في هذا الشتاء القارس الذي يستدعي مداومتنا وأولئك الصغار الأبرياء على زيارة (الحمام) بصورة منتظمة، فنقوم بتلك الزيارات على مضض وقلوبنا واجفة وعيوننا شاخصة تبحث عنك فوق الجدران. { واليوم، عدت من جديد، في غفلة أُقسم أنها لم تتجاوز الساعة من عمر الزمان، فاتنا فيها أن نُحكم إغلاق المداخل والمخارج لأننا كنا نحسب الوقت مبكراً ولم نركن إلى النوم بعد، إلا أن النوم سلطان أحكم سطوته على عيوننا لوهلة صحوْنا بعدها لنجد أن زيارتك هذه المرة قد كانت أشد وقعاً وأكثر إيلاماً، فلم تترك لنا من حطام الدنيا شيئاً، وكأنك تُمعن في تأديبنا أو الانتقام منا لأسباب لا نعلمها، فمن أنت؟ ولماذا أشعر أنك تنتقم مني ومن أسرتي الصغيرة؟ فهل يُعقل أن تأخذ كل شيء حتى (صابونة الحمام)؟ إنك تفاجئني بتفاصيل غريبة وجُرأة تصل حد الوقاحة، وتمنح نفسك كامل الحق في التجوُّل بحرية كيفما شئت وقد بتَ مُلماً بخارطة المنزل ومحتوياته ومسالكه وكأنك واحد منّا، فمن أين أتيت بهذا القلب الميت الذي يسوِّل لك كل هذا؟ ولماذا تستهدف أمننا وتروِّعنا دون سوانا؟ ولماذا نجمعها بالرهق والعناء لتأتي أنت وتجني حصاد أيامنا بكل برود وعدم إنسانية؟ فهل أنت بشر أم شيطان مريد؟ ولماذا تستمرئ ظلمنا وتعذيبنا؟ وهل يُعقل أن تداوم على زيارتنا بهذا الحرص من باب المصادفة ليس إلا؟ إن كل الدلائل تُشير إلى أنك ذات الشخص، فطريقتك لم تتغير وآثارك النكراء هي عينها، وأنا لم يعد يعنيني أمر ما حملته (عساه يُدخل عليك بالساحق والماحق) بقدر معاناتنا في جمعه والحصول عليه، ولكنني موجوعة من فعلتك الدنيئة المريرة التي تدفعني لكراهيتك والحنق عليك لدرجة البكاء؟ فلماذا نحن دون سوانا، وهل أنت راضٍ عمّا تقترفه يداك في حقنا؟ وما الذي تستفيده وأنت تحمل مقتنياتنا القيِّمة لتتخلَّص منها بعد ذلك برخص التراب؟ وهل يُطربك أن تجور على أطفالي الصغار فتحرمهم من المتعة الوحيدة المتبقية لهم في هذا الزمن الصعب بمتابعتهم لقنوات الأطفال عبر التلفاز؟ وكيف سوّلت لك نفسك الحقيرة أن تخترق خلوتهم لتعبث بمحتويات خزائنهم وتبقى طويلاً داخل غرفتهم حتى تتمكن من حمل التلفاز والديجتال وجهاز الحاسوب العزيز الذي كان يصلنا بالعالم ونتشاركه جميعاً وكان وسيلتي الوحيدة للقيام بأعباء مهامي الكتابية للتواصل مع الصحيفة والقراء؟ ولماذا لم تتفضل هذه المرة مشكوراً بترك شرائح جوالاتنا؟ أم أنك تخليت عن نُبلك؟ ولماذا حملت معك جهازي الصغير الأسحر ال(CPU) وسيطي في دنيا الانترنت مع العلم بأنك لن تستفيد منه سوى أنك ستكبدني المشقة والخسائر. { إنني (أُحييك) أيها الحرامي القذر على براعتك في أداء مهمتك، وعلى مثابرتك طوال هذه المدة في انتظار هذه الفرصة فمن الواضح أنك كنت تداوم على زيارتناووجدت الطريق معبداً فصبرت، وأحييك أكثر على جرأتك وثباتك وشجاعتك، وأشكرك لأنك ساعدتني على إرغام أبنائي على التحصيل والتفرُّع للإمتحانات بعد أن قطعت الوصل بيننا وبين هذا الفضاء الساحر، وأشكرك أكثر لأنك أعدتني لعلاقتي الحميمة مع الكتابة «البدائية» بإخراجك لي من زمرة الصفوة المنغمسين في عالم النت الإسفيري، وأشكرك أكثر فأكثر لأنك أرحتني من استعباد هاتفي الجوال وسيطرته على تفاصيل أيامي، ولكني لن أغفر لك أبداً هذا الوجع الذي يعتصر قلبي كلما تذكرت سذاجتي التي سمحت لك باستغلالي، ولا المزيد من الخوف الذي زرعته في أطفالي، ولا هذا الإحساس المعذّب الذي يسكنني ولا أستطيع تفسيره، وحسبي الله ونعم الوكيل، اللهم آجرني في مصيبتي وأخلف لي خيراً منها.. آمين. { تلويح: عزيزي الحرامي.. (والله بالغتَ)!!