{ لاذت حكومتنا «بفضيلة الصمت» إزاء ما يجري من حولنا من أحداث في دولة ليبيا الشقيقة، برغم أن الصمت نفسه في الأعراف الدبلوماسية يُعتبر موقفاً، إلا أنه أضعف المواقف وأجبنها، لأنه يُعتبر هروباً من اتخاذ موقف جرئ تتناقلة الركبان وتوثِّقه الأزمان. { وربما كانت حكومتنا بهذا «الصمت المدوّي» راحت تعوّض عن «خسارتها الدبلوماسية التاريخية التي نجمت عن «ثقافة التسرُّع» في اتخاذ المواقف على عصر «الشرعية الثورية الأولى»! { ويذكر في هذا السياق موقفنا من حرب الخليج الذي كلّفنا كثيراً، كنا يومها نعتقد أن السياسة هي بالدرجة الأولى ممارسة أخلاقية، وأن واجب ثورتنا التي نهضت على «مشروع أخلاقي» أن تتصدّر المواقف والحجج، إلى أن أدركنا مؤخراً بأن الأمر لا يعدو أن يكون «مراوغة ونفاق»، على أن الدبلوماسي الناجح هو الذي يتدارى وراء مواقف «أعتقد وربما ولم يحِن الوقت بعد» ولا يقطع بموقف واضح. { إلا أن الموقف في حالة الجماهيرية لجد مختلف، فليبيا دولة مجاورة ومتداخلة وإذا اشتكى منها عضو فيفترض أن تُصاب دولتنا بالسهر والحمى، بل ربما كانت كل مصائبنا المزمنة هي من صنع «ليبيا القذافي»، فللرجل المحاصر في «قلعة العزيزية» أيادٍ خبيثة في كل «الحركات المتمردة»، من الحركة الشعبية لتحرير السودان وصولاً لحركة العدل والمساواة التي يستضيفها منذ فترة ليست بالقصيرة، وهنالك أقوال مؤكدة بأن الرجل كان وراء «غزوة أم درمان» غير المباركة. { فالرأي عندي أن نُسارع بتسجيل موقف يوفِّر لنا علاقة ممتازة مع عصر ما بعد القذافي في الجماهيرية الليبية، وإلا فلن تنفع المواقف بعد سقوط الرجل، وإنما الموقف يُتخذ عند «الصدمة الأولى» للثورة، فالآن تدق ساعة تسجيل التاريخ والمواقف، بألا نكتفي بإصدار بيان شديد اللهجة، بل علينا أن نذهب إلى مرحلة الإنحياز الكامل للثورة بأن نضع كل إمكاناتنا تحت تصرُّفها. { خاصة وأن (رأس سوط الثورة) قد أدركنا، لما عرضت الفضائيات العربية صورة «لجوازات سفر» لمرتزقة قالت إنهم يطيحون في الشعب الليبي قتلاً وتنكيلاً، ومن بين تلك الجوازات المعروضة جوازات سفر سودانية، وربما تشكِّل هذه المعلومات مخاطر لجاليتنا السودانية الكبيرة هناك، وذلك من ردّة فعل إرتدادية من قِبل الشعب الليبي حال نجاح الثورة وسقوط قائدها التاريخي. { يفترض أن نسابق الزمن بإصدار بيان عاجل، بأن الذين يقاتلون إلى جانب النظام الليبي المنهار هم من حركات دارفور المتمردة، ذات الحركات التي درج العقيد القذافي على استضافتها وتمويلها وتحريضها على مقاتلة الشعب السوداني، وأنها لشرذمة مارقة على النظام وأنهم لنا لغائظون، وعلى الثوار إذا أدركوهم أن يقتلوهم بدداً ولا يغادروا منهم أحداً. وأن هؤلاء لا يُعبِّرون عن السواد الأعظم للشعب السوداني، ثم نُعزز هذا البيان بمسيرة ولو رمزية أمام السفارة الليبية بالخرطوم. { ربما يقول قائل، دعك من الخرطوم فواشنطن نفسها حتى الأمس كانت مترددة، فضلاً عن الأفارقة الذين يغِطون كلهم في نوم وسبات عميق، وأهلنا يقولون (الضايق لدغة الدبيب بخاف من جر الحبل)، فالرجل كان باطشاً لدرجة أن أياديه كانت قادرة لتفجير الطائرات في عرض البحار، ألم يقلق الأمبراطورية التي لم تغب عنها الشمس وذلك بدعمه للجيش الجمهوري، أنه الرجل الذي كان يموِّل كل الثورات حول العالم. يكفي أن يأتي لخيمته وسط الصحراء أي ثائر من الشرق والغرب ثم يجيزه ويهبه العربات من ذوات الدفع الرباعي التي رأيتموها تجوب شوارع أم درمان في غزو أحمق. { (فيا جماعة الخير)، إن أهل الرجل من (القذاذفة) قد تخلّوا عنه ومن بينهم حليفه القوي أحمد قذاف الدم، وإنها لعمري ساعات قد تطول أو تقصر تفصلنا عن سقوط ثورة الفاتح وكتابها الأخضر وسجلها الأسود. فنرجو أن تسجّلوا موقفاً يحفظ لنا كرامتنا وودنا مع الشعب الليبي. والله من وراء القصد وهو يهدي السبيل.