هناك نظرة حداثة جديدة، ينتهجها شباب المؤتمر الوطني بكافة قطاعاته، باعتبار الراهن العام على المنطقة العربية، دعتهم إلى أن يقوموا عبر الاتحاد الوطني للشباب السوداني، ومكتب المؤتمر الوطني في القاهرة؛ بدعوة وفد من شباب ثورة الخامس والعشرين من يناير الشهيرة، لتعزيز العلاقات ومطارحة فكر الشباب المصري القائد لتغيير نظام عسكري بيروقراطي، إلى محاولة أن يكون ديموقراطياً يتسع للجميع بلا فقر أو فساد.. لينفع بتجربته الشباب السوداني، لكن بلا ثورة. والثورات وعدواها الفيروسية التي أصابت معظم المجتمع العربي كما يتابع الجميع، يلقى السودان منها نصيب الانتظار والمراقبة والتحليل السياسي للراهن، كما فتَّت د. (مضوي الترابي) تلك المسألة في الندوة المصاحبة لبرنامج الزيارة أمس بقاعة مؤتمرات الشهيد الزبير، حيث قدم فذلكة تاريخية تجعل غير الملمين ببواطن الأمر سياسياً واجتماعياً وثقافياً، يعرفون الأرضية الصلبة التي بنيت عليها ثقافة الثورات في العالم العربي كله، منطلقة من رفض الظلم والنظم الشمولية. والحديث رغم انتشاره متمدداً على صحراء التمازج في الدول المعنية الآن بالثورات، من تونس ومصر وحتى اليمن وليبيا وسوريا، إلى ما يشاء المد؛ إلا أن قراءة (د. الترابي) كانت مفارقة لما يمكن أن تقرأه أنت كعابر لقارة الندوة، بالمشهد الهتافي الذي أراد شباب الاتحاد وضعه في مقدمة الحواس الخمس لوفد شباب ثورة 25 يناير، بأن الشباب السوداني أجمع متصالح مع نظامه بل ومتعاضد معه جداً! وما جدّ على برنامج الوفد المصري والوفد السوداني المرافق له! هو محاولة التملّص من بعض شباب الوفد المصري، بالحصول على عناوين البريد الإلكتروني لبعض الصحفيين والمتابعين وأساتذة الجامعات، الإيميل، التقنية التي كانت سبباً مباشراً في لم شمل الشباب المصري، وربما يكون في مسألة تلاقح الأفكار بين الشباب السوداني، وهو السبب الذي أعتقد أنه كان جزءاً من الموافقة على الزيارة الذكية بكافة المقاييس من شباب المؤتمر الوطني، إن كان متمثلاً في مكتبه بالقاهرة أو في اتحاده الشبابي بالخرطوم. والذكاء في المبادرة بالدعوة، ثم احتكارها - جانبياً سمعت من أستاذ كريم أن ندوة الأمس التي كانت بعنوان (الثورات الشبابية وأثرها على راهن ومستقبل المنطقة) قيل له إنها خاصة بحضور معين وغير مفتوحة. والذكاء أيضاً يتمثل في الرسالة المبلغة للعالم وللشباب الآخر البعيد عن المؤتمر الوطني، إن كان شباب الأحزاب السودانية أو العادي، بأن شباب المؤتمر الوطني قادر على إحداث التغيير على المستوى السياسي (داخل الداخل) أو على المستوى الاجتماعي العربي بمثل هذه المبادرات. ماذا يمكن لشخص عادي أن يتبادر إلى ذهنه من سؤال - برضو - عادي؟ كأن يقول مبدئياً: لماذا يدعو المؤتمر الوطني بباطن الحكومة وبظاهر الاتحاد الوطني للشباب السوداني، وفداً يمثل ثورة قامت بانقلاب ولو سلمي على نظام يصفه (د. مضوي الترابي) في تقدمته للندوة: (تحول الحلف القديم بين العسكرتاريا والبيروقراطية إلى حلف جديد يضم كذلك طبقة رجال الأعمال الجديدة المصنوعة من السابقين في الجيش أو الشرطة)؟ وهو في مجمله وصف يشابه ولو من بعيد النظام الموجود هنا رغم الاستدراك لتعديله المتأخر. تأخرنا الجمعي في الموافقة على الاختلاف هو السبب المباشر في ما آل إليه السودان. هذا وبالطبع مسألة انتمائنا إلى الحزب أو الطائفة أو القبيلة، بل وحتى الفريق الرياضي قبل الوطن. لهذا لا يمكن بأي حال من الأحوال مقاربة الثورة المصرية ولو بفذلكة تاريخية، تبين ثوراتنا القديمة المدنية - كما يشيع الناس أن السودان درّس العالم معنى الثورة السلمية! - فإذا كانت المبادرة لتوفيق أوضاع الثورة الجديدة مع حكومة السودان، رغم عدم دستوريتها وشرعيتها في قيادة مصر، سياسياً وربما فكرياً وأهلياً، أو لتبيان مدى سعة وإدراك فهم شباب المؤتمر الوطني في السيطرة على راهن ومستقبل السودان، فإن برنامج الزيارة خروج عن النص الرسمي للثورة، أو دخل إليها من النص.. وهذا شارع يستحق مني أن أتبعه!