{ كلما حدثتني نفسي الأمارة بالسوء بظلم أحدهم؛ تذكرت إحساسي المتلازم بالظلم الذي أصابني من الحياة وبعض ذوي القربى، وتذكرت أكثر «فرعون» الذي طغى واستكبر، وصرخ بصوت الجبروت يوماً مردداً: «أنا ربكم الأعلى». إنه ينام الآن في المتحف المصري، وقد أمسى (فُرجة) للقاصي والداني، فهل نتعظ؟! { تعالوا نبحث في أجندة أعمارنا، فربما كانت هنالك روح ما التصق بها ظلمنا في موقف ما، سهواً أو عمداً، وسقط الموقف من ذاكرتنا مع مرور الأيام، ولم يسقط من ذاكرتها، ويا ويلنا من دعائها علينا، فلو كان بالإمكان شراء دعوة المظلوم منه لفعلنا، فهي سيف لا يخطئ هدفه أبداً مهما تأخر، وليس بينها وبين الله حجاب.. ويا ويلنا. { إننا جميعاً كبشر معرضون لأن نتقاسم الآلام ونتبادل الأدوار يوماً، فقد تفرض علينا الحياة رغماً عنا دور الظالم، أو نختاره طوعاً لنمارس على سوانا من الظلم ما نجهل بشاعته وسوء عواقبه وعذاب الآخر به ومعاناته منه، ثم تدور الدوائر لنكون يوماً في خانة المظلوم فنبكي بدمع سخين ونرسل الدعوات الحانقات الصادقات على أمل أن تكون حبلاً يلتف برقبة من ظلمنا ليقتص لنا. فلنتق الظلم ما استطعنا فهو ظلمات يوم القيامة. { ابتسم أيها الظالم، كي تظهر الصورة ملونة وتتهامس العيون بوسامتك وسطوتك وأناقتك وعنفك. هي ذات العيون التي بكت بسببك.. ابتسم.. فأنين ضحاياك يملأ أرجاء الكون ليلاً، وكل القلوب ترسل سهامها في الليل بالدعاء عليك، ودموع القهر أدمت العيون واعتصرت القلوب من الألم والغيظ. { ابتسم أيها الظالم قبل أن تبكي يوماً، فلقمة اليتيم تقف في حنجرتك، ويدك ملوثة بصفعاتك على خدود الأبرياء، وقدماك تدوسان على أجساد الضعفاء، وقبضتك كسرت عنق الحقيقة، وقوتك أحنت ظهر عزيز قوم ذل، وأطياف ضحاياك تلاحقك في منامك، وبصماتك على كل الخرائب ومسارح كل الجرائم. فابتسم، واضحك ملء شدقيك.. لأن النار ستنادي يوماً: «هل من مزيد؟!»، وإن للقبر ضمة لا طاقة لبشر بها ولا تستثني أحداً، فإن كنت يوماً ستقف بين يدي الله لا تخفى منك خافية. فابتسم، لأنها آخر الابتسامات الصفراء، والسماء الآن تلتقط لك الصور الملونة التي ستعرض على جميع الخلائق يوم الحشر. فابتسم لتكون الصورة جميلة. { أيها الظالم، الذي اغتال الأحلام، وفرق الشمل، وقطع النصيب، وسد أبواب الرزق، ورد صاحب الحاجة، وأمعن في المماطلة في جميع نوافذ الخدمة المدنية ولم يرحم شيخاً كبيراً ولا مستضعفاً ولا قليل حيلة. ابتسم، فيمكنك أن تمارس سلطتك الزائفة وتعذب (خلايق الله) وأنت مبتسم على الأقل. { أيها الظالم الذي يحب ترديد العبارة الشهيرة المفضلة: (الخزنة قفلت، تعال بكرة) ونحن نجيئك من أقاصي البلاد وبنا من الهموم المتكالبة ما بنا، فليتك تكلف نفسك مغبة الابتسام لتهون علينا ظلمك، فربما يتسع صدرنا لمسامحتك يوماً. { أيها الظالمون في كل اتجاه، في المرافق الحكومية، ومراكز التحصيل، الضرائب، الكهرباء، المياه، المحليات، المواصلات، المرور والنظام العام، إن الله القائل: «ورحمتي وسعت كل شيء» له من السطوة والسلطة والقدرة ما يقلب به الموازين، فتذوقون يوماً من ذات الكأس التي نتجرعها منكم. { تلويح: منذ أن خلق الله الأرض ومن عليها، وهناك ظالم ومظلوم يسهر الظالم على الذنب، ويسهر المظلوم على الدعاء.