النشر الكثيف عن قضية التقاوى الفاسدة تجاوز القضية نفسها إلى مسائل أخرى لا صلة لها بالزراعة واستصلاح حالها وحال التقاوى، وصارت المسألة كلها صراعاً بين وزير الزراعة والبرلمان ممثلاً في لجنة الزراعة صاحبة القدح المعلى في هذا الصراع، وقد نبتت شرارته إثر مشاجرة بين أحد أعضائها ووزير الزراعة الدكتور عبد الحليم المتعافي. قرأت تقرير اللجنة الزراعية بتفاصيله المملة واستمعت لحلقة مميزة من برنامج (حتى تكتمل الصورة) مع وزير الزراعة عبد الحليم المتعافي وقد طرح وجهة نظره في هذه القضية بمنطق قوي وحجة مؤسسة لو استمع لها البرلمان لتحولت الأوضاع رأساً على عقب، ولذلك أتساءل لماذا يتهرب المتعافي من البرلمان وهو يملك منطقاً قوياً وحجة ناصعة ويضاف إلى ذلك أن حادثة التقاوى المفترض أنها فاسدة حسب تقرير لجنة الشؤون الزراعية بالمجلس الوطني لم تكن في عهد الوزير المتعافي وإنما كانت قبل مقدمه إلى وزارة الزراعة. التقرير يخلص إلى وجود خلل في البذور التي أدت إلى فشل الموسم الزراعي (2008م - 2009م) ويؤكد أنها مصابة بنوع من الفطريات يضعف الإنتاجية ويتسبب في سرطان الكبد للإنسان، وحمل التقرير المسؤولية للبنك الزراعي وإدارة التقاوى والوقاية والحجر الزراعي بوزارة الزراعة. في الحلقة التلفزيونية بالنيل الأزرق فند المتعافي كل ما ذهب إليه تقرير لجنة الشؤون الزراعية بالمجلس الوطني، وقال بالحرف الواحد إنه يطالب بتقرير من جهة مختصة تؤكد أن التقاوى في ذلك الموسم كانت فاسدة، وهو بذلك يدافع عنها وينفي إصابتها بالفطريات أو تسببها في سرطان الكبد للإنسان، ويرمي باللائمة على بعض الجهات داخل الوسط الزراعي وهي تنتهج سياسة الضغط لأجل إحراز مصالح محددة من وراء هذه المعارك المفتعلة، وظهر المتعافي من خلال تلك الحلقة ملماً بتفاصيل كثيرة في كافة جبهات الزراعة في البلاد ويبدو أنه ليس سياسياً وحسب يمكن أن تمر عليه مثل هذه المظاهرات - حسب ما فهمت من حديثه - وهذه المعارك وتجعله يقدم تنازلات هو يعرف تحديداً من المستفيد منها ومدى ضررها على مستقبل الوضع الزراعي في البلاد. من جانبنا نقدر الجهد الرقابي المبذول من لجنة الشؤون الزراعية بالمجلس الوطني ولكن في ذات الوقت عليها عدم الفصل في مسائل فنية تحتاج إلى جهات متخصصة ويجب أن يكون دورها مكملاً لدور الجسم التنفيذي بدلاً عن هذا الصراع وحالة العداء التي صرفت الجهود المبذولة عن وجهتها السليمة وصارت المسألة كلها مختزلة في حضور الوزير من عدمه. والسيد الوزير يعلم تماماً أن هناك من يترصده ويدفع بالمجلس عبر اللجنة الموقرة في اتجاه لا يخدم إلا حسابات شخصية تفرغ المسألة من محتواها ومن صدق رغباتها في الإصلاح. نأمل أن يحضر الوزير المتعافي إلى البرلمان ويستمع لتقرير اللجنة ومن ثم يدفع بدفوعاته وأن يكشف لأعضاء المجلس ما كان خافياً عليهم ويحصن المجلس من بعض الانزلاقات الغضروفية التي يمكن أن يقع فيها، وهذا شيء طبيعي أن يتعرض المجلس لعملية تضليل فالتجارب من حولنا تكشف عن حالات تضليل تعرضت لها برلمانات وشعوب وأمم واتخذت على إثر ذلك قرارات كونية. وهذا لا يؤكد تعرض المجلس الوطني لذلك وقد يكون محقاً في كل ما ذهب إليه ولكن تداخلت علينا الأمور ما بين حديث الوزير لقناة النيل الأزرق وتقرير لجنة الشؤون الزراعية. الحمد لله أنني لا أتصف بالانطباعية فأصدق كل ما يقال لي و(أركب الزفة) دون أن أتبصر وأتعرف على حقائق الأشياء وفي ذات الوقت أسلم بالدور الكبير للمجلس الوطني بكافة لجانه وكذلك أعرف المتعافي جيداً منذ أن كان طبيباً عمومياً لمستشفى شبشة في العام 1981م فأشهد له بالمثابرة والنجاح والمبادرات الخلاقة وأنه (لاعب) من طراز فريد يحتاجه أي مدرب شاطر ليملأ به فراغاً كبيراً ويعزز به حالة النجاح ولذلك لا ألتفت كثيراً لما يثار حول الرجل بالرغم من شفافيته ووضوحه وقد استمعت لمنطقه في هذه القضية تحديداً وفي قضايا أخرى وأكاد أجزم أنه أكثر عمقاً من هذه الأصوات التي تصك آذاننا هذه الأيام على خلفية هذه القضية. و أخيراً.. كلمهم سيدي المتعافي فواجبك يحتم عليك تحصين هذا المجلس إن كنت تظن أن هناك اختراقاً.