كنت أسأل ذات (لحظة شعرية) الشاعرة روضة الحاج, لو أنها ترعرت في أرض قفر واحتدمت شاعريتها في بعض الصحاري التي لا تصلح لإنبات المانجو والبرتقال، هل كان شعرها سيهطل بهذه الغزارة من المفردات المترعة بالرياحين والمطر؟ كلما تداعت كسلا إلى ذاكرتي أستحضر ذلك المشهد المهيب بين السحب الراحلة والبساتين الظلال والمطر.. واحترت في سر احتدام تذكري لك بالمطر ما لاح في الأفق البعيد قدومه إلا أعياني التبصر والخدر بالأمس كنا ضيوفاً على منبر الحكم الاتحادي بالخرطوم في نسخته الجديدة التي يديرها «رجل الولاية والوزارة والزراعة»؛ البروفيسور الأمين دفع الله، أشهر والٍ في مسيرة الإنقاذ، والدليل على ذلك أن لنا طريقاً بشرق النيل اسمه شارع الوالي، والوالي هو الأمين دفع الله، ولما كان يبنى هذا البيت الذي يطل على شارع الوالي لاحقاً، كان الرجل والياً لولاية القضارف، وبالمناسبة إذا ذكر أحدهم عبارة الوالي بتلك القلاع فلا يعني بالضرورة الوالي عبدالرحمن الخضر وتلك قصة أخرى. كانت هذه النسخة من جلسات ديوان الحكم الاتحادي تحت عنوان (كسلا)، وبطلها الأستاذ محمد يوسف آدم والي الولاية، هذا الشكري الذي «اقتطف» يوماً من منظومة شباب ولاية الخرطوم، وللحقيقة كان «رجل توتيل» مرتباً ومنظماً وهو يحكي قصته، قصتنا الجميلة كسلا، صراعها التاريخي مع نهر القاش والتنمية والخدمات، أكثر من ثلاثمائة مليون دولار دخلت في عهده إلى شرايين الولاية وأوردتها فتعافت كثيراً، إلا أن سقوفات وطموحات الرجل قد أرهقت معظم الحضور من الإعلاميين، الذين طفقوا يتساءلون عن الأموال ومصادرها التي تصنع هذه النهضة المرتقبة، لكن خيال كسلا يرتاد الثريا ولا يرهن الرجل حركته و«يمدد أرجله حسب (لحاف المركز) الممحوق»، على الأقل لكسلا رحلة جوية سودانية خليجية (لتجارة الإبل)، وكسلا الجميلة يخطب ودها كثير من أهل الثراء الحلال في الجزيرة العربية والخليج. ولما خضع لي (مايك الديوان) قلت للسيد الوالي: كلما ذكرت أمامي كسلا أشفقت على شيئين اثنين؛ الأول (كسلا بستان السودان)، إن كان قد أصابها ما أصاب الزراعة عموماً، ثم (كسلا اللحمة الوطنية المتماسكة)، إن كانت بمعزل عن ثقافة (كناتين التجزئة القبلية) التي تنشط في أكثر من جهة في هذه المواسم. هذه الأسئلة التي حركت أشجان ومشاعر (رجل القانون البازخ)؛ محمد أحمد سالم، لما عانق الرجل (مؤسسة الملاذات)، عقب المحفل قائلاً: «ياخي الملاذات على أرض الواقع وسيمة المفردات جميلة الإطلالة، بعكس تلك الصورة الطالبانية المثبتة على جدار العمود». غير أن السيد الوالي قد طمأننا على (ثقافة البستنة) التي لا صوت ولا صورة تطغى عليها، وفي المقابل قال إننا معافون من أدبيات (البشتنة) والتشتت وإن كسلا متماسكة .. كسلا بخير ولنا عودة..