أستأذن القراء في أن أكتب اليوم عن هذا العمود، فالكتابة عن عمود صحفي أنت صاحبه هي كتابة بشكل أو آخر عن نفسك.. وما أكثر الذين يرفضون الكتابة عن النفس رغم أنها من أمتع الكتابات. والكتاب والصحفيون عموماً يظلمون أنفسهم، فهم يكتبون دوماً عن الآخرين وقليلاً جداً عن أنفسهم. إن الكتابة اليومية عمل مرموق، كما قال الأستاذ الكبير المصري العربي الراحل أحمد بهاء الدين.. والعمود قطعة من صاحبه.. ومهما تكن رغباته قوية وصادقة في التزام الموضوعية والابتعاد عن الذاتية فإننا نجد في العمود الصحفي شيئاً من صاحبه.. من نفسه وروحه ومن شخصيته. وكانت البداية قبل ثلاثين عاماً بالتمام والكمال، فقد ظهر لأول مرة عمود «قمم وسفوح» في الصفحة الأخيرة بجريدة الصحافة، وكان فرحي به كبيراً مثل فرح أي كاتب يرى مقاله الأول منشوراً في جريدة يومية، وكان في البلد جريدتان يوميتان فقط هما الصحافة والأيام، وكان توزيعهما عالياً ولذلك فإن الكتابة اليومية في أي منهما تحقق لصاحبها شهرة سريعة معتبرة. وبعد سنتين من الكتابة اليومية تم إيقاف العمود، وتشير أصابع الاتهام إلى السكرتير الصحفي لرئيس الجمهورية المرحوم محمد محجوب سليمان، ولم أتمكن من كتابته إلا بعد الإطاحة بذلك النظام في أبريل 1985م، ومما يثير الانتباه أن أول مقال كتبته بعد ذلك كان دفاعاً عن ذلك النظام؟! واستمررت أكتبه في الديمقراطية وفي العهد الحالي، حيث طاب له المقام في «الأهرام اليوم»، وللعمود قراء من كافة فئات الشعب ومنهم من يحتفظون به مثل الوجيه السر عبد السلام النور، وهناك من لا يقرأونه لناصرياته وفلسطينياته الكثيرة، وهناك من يقرأونه على مضض، وأيضاً هناك من لا يقرأونه لأسبابهم الخاصة. وهذا وضع عادي مألوف يصادفه كتاب الأعمدة اليومية مع تفاوت درجات القبول والرفض والإعجاب والامتعاض. ومن المؤكد أن للعمود مزايا وأنه لا يخلو من العيوب والهنات، ومما يميزه أنه يحمل اسما ًمبتكراً.. ففي كل الصحافة العربية وعلى كثرة أعمدتها اليومية والأسبوعية ليس هناك عمود قبل يونيو 1981م حمل اسم «قمم وسفوح»، وعلى ذكر الاسم فقد كان ظريف البلد ولاعب المريخ كمال سينا، عندما لا يعجبه أحد الأعمدة يقول لي ضاحكاً: «اقترح أن تسميه قمم وسايفونات». ثلاثون عاماً مرت.. وكانت أحياناً تمر سريعة كالظلم وأحياناً بطيئة كالعدل كما قال الشاعر كامل الشناوي، وقد كان العمود هو مدخلي للعمل الصحفي، وليس ذلك هو العرف في العمل الصحفي، حيث يأتي العمود أخيراً تتويجاً لجزء كبير من المسيرة الصحفية، ورغم ذلك ليس في الأمر عجب فهناك من كان مدخلهم للعمل الصحفي رئاسة التحرير، وكل عام والشعب وقراء هذا الباب بخير.