حين تتعاظم التحديات، والمؤتمر الوطني يدخل عقده الثالث، يبقى التحدي الأول له هو استكمال النهضة؛ ذلك الوعد الذي قطعه المؤتمر الوطني في حملته الانتخابية، التي حاز على صدارتها في الانتخابات الأخيرة التي سبقت مراحل الاستفتاء وما نتج عنها من انشطار في مساحة الوطن جغرافياً، فالتحديات التي تتعاظم في طريق المؤتمر الوطني وهو يتهيأ للوفاء بوعده الذي قطعه على نفسه أمام شعب السودان باستكمال النهضة، يكون الوطن المستهدف بالنهضة قد انقسم إلى ثلثين وهو ما يزال في انتظار هذا المشروع، وثلث على الأقل قد أصبح مكوناً لدولة وليدة. ما تبقى من الوطن يحمل في داخله الكثير من التحديات والقضايا الشائكة، منها قضية دارفور الأزمة والحل، ومنها الوفاق الوطني مع القوى السياسية التي لا تعترف حتى بنتائج الانتخابات الأخيرة ولا تلقي لها بالاً، بل وتتطلع إلى إقصاء كامل للمؤتمر الوطني، وتحديات أخرى على الصعيد الاقتصادي والعلاقات الدولية وغيرها تنتظر أن يصب فيها المؤتمر الوطني جهده. إذن فاستكمال النهضة لا يمكن بلوغه إلا عبر هذه التحديات، دارفور بلغت وثيقة تحقق حولها قدر من الإجماع في منبر الدوحة لكنها لا تبدو هي السبيل إلى سلام عاجل بسبب عدم مشاركة الحركات المسلحة ذات الثقل في مراحل الوثيقة المختلفة. أما الحوار الوطني مع القوى السياسية فإنه يأخذ شكلاً أقرب إلى حوار الطرشان، حيث يتحدث المؤتمر الوطني بخلفية تجربته ومنهجيته ورؤاه وبرنامجه، فيما تتحدث القوى السياسية الأخرى عن أحلامها التي ضاعت على مدار تجاربها المتلاحقة. هكذا يبدو الملمح والمشهد السياسي وشورى المؤتمر الوطني تلتئم في دورة انعقادها الثالثة كآخر اجتماع لها في ظل شكل الدولة الواحدة، أي قبل المفاصلة بين الدولتين في التاسع من يوليو القادم. هكذا تتفاقم التحديات فبأي المداخل صوبت الشورى التي أنهت اجتماعاتها نحو أهداف المرحلة القادمة؛ بمدخل دارفور، أم بمدخل برنامج استكمال النهضة، أم بمدخل العلاقات الدولية والوضع الاقتصادي. ثلاثة أوراق عمل بالفعل تتداول فيها وتناقش أعضاء هيئة الشورى حولها، مهتدين بخطاب البشير في فاتحة أعمال جلسات الشورى وخاتمتها، الذي حدد فيه مطلوبات المرحلة السياسية والاقتصادية والأمنية القادمة. الرئيس البشير تحدث عن 9 يوليو القادم فقال: نحن ندخل مرحلة جديدة في ذاك اليوم الذي سيصبح فيها السودان دولتين، وهي بحق مرحلة جديدة في تاريخ السودان والمؤتمر الوطني تتطلب رؤية واضحة للمرحلة التي سنقدم عليها، ومضى في القول: مثلما أعلنا الحوار مع كل القوى السياسية هناك حوار موسع حتى نخرج بإستراتيجية للخمسة أعوام القادمة فيها كثير من التوافق والمشاركة، وسنعمل على وضع دستور جديد للسودان مطلوب فيه المشاركة ليتم عرضه بعد اجتياز مراحله المختلفة على استفتاء عام، مع السعي لتشكيل حكومة ذات قاعدة عريضة من خلال التوافق حول برامج محددة مع القوى السياسية الرئيسية. ومضى البشير في تأكيداته وطمأنته للقوى السياسية المختلفة عندما قال: نحن على استعداد في المؤتمر الوطني لأن نفسح المجال للمشاركة ولن نعزل أي أحد إلا من أبى. وعن المؤتمر الوطني يؤكد البشير أن حزبه يعمل بكفاءة مكنته من اجتياز الانتخابات، لكنه جدد القول: «لا نريده حزباً فوقياً بل قاعدياً وموجوداً مع المواطن، ويجب أن نلتزم بقرارات الشورى لأن الالتزام بها هو الذي يعصم المؤتمر الوطني من الصراعات طالما شعارنا: (هي لله لا للسلطة ولا للجاه)». البشير وجه رسائل عدة لكل منسوبي المؤتمر الوطني شدد فيها على أن المرحلة القادمة هي مرحلة العطاء والوجود مع الجماهير، وكرر القول: «نريد أن نكون حزباً رسالياً والكلام السياسي فقط ليس كفاية». قال: نحن حزب أمامه مسؤولية كبيرة ونريد للأحزاب الأخرى أن تنهض وتقوى لأننا إن أصبحنا وحدنا سنتحول إلى عدة أحزاب. أما عن برنامج الدعوة الشاملة فنحن نريد إعادة الحياة لهذا البرنامج في إطار مواصلة ثورة التغيير. مجذوب أبو علي، رئيس هيئة شورى المؤتمر الوطني، حيا الروح التي اتسمت بها مناقشات القضايا ولغة الحوار التي سادت وأكد حرص الجميع نحو الالتزام بالشورى كنهج وأسلوب مضى على طريقه المؤتمر الوطني ولا يزال، وقال بالصوت العالي: «نحن حزب ليس طائفياً ولا عائلياً ولا جهوياً». إذن هذه هي هيئة الشورى التي انعقدت ليومين وأصدرت قراراتها وتوصياتها في ظروف سياسية حرجة من عمر السودان والمنطقة بكاملها، ليبقى السؤال الكبير قائماً هل المؤتمر الوطني في كافة ما تبقى من بقاع السودان سيكون على قدر التحديات والآمال التي أعلنتها الشورى، وشدد عليها البشير. من جانبنا نقول القضايا شائكة ويصعب ترتيبها ناهيك عن معالجتها.