يبدو أن ملامح الخريطة السياسية في الداخل والخارج قد بدأت تتشكل في الأفق القريب على منهج الوفاق الوطني والتوافق السياسي، هكذا تبدو الصورة أكثر وضوحاً في غالب الحراك الذي يدور الآن الذي لم يتبلور بعد، فالكل لا يزال يتمنى أن يترجم هذا الحراك لتقترب التجربة السياسية المقبلة من عمر السودان من الإفصاح عن نفسها بشكل أوضح، الكل يطالب بأرضية مشتركة وحد أدنى من التوافق في هذه المرحلة بين أهل الحكم وأهل المعارضة، فمن أسوأ ما ابتلينا به في هذا الزمان وقبله هي مسألة الخلافات السياسية والجهويات والقبليات، ففي سنوات خلت كان كل السودانيين يدعون إلى القومية النبيلة، ولا يدعون إلى الجهوية التي تربي في الناس الضغائن الوبيلة، التحية هنا لشعراء ذاك الزمان الذين سطروا هذه الكلمات وصارت أناشيد وطنية لا ينتهي بريقها ولا ينضب معينها لأنها تظل كلمات مطلوبة في كل زمان ومكان وما أحوجنا إليها الآن لكي ما نلتف حولها جميعاً، يجب أن نكون جميعنا مع التوجه القومي العام دفاعاً عن السودان أولاً ودفعاً بتنميته ثانياً، لا نقول إن هناك انحساراً في التوجه القومي العالي ولكن نقول لابد من أن يصحو هذا الاتجاه فينا بقوة أكثر، وأن نودع تماماً مفهوم (الكيمان) أو من يريد أن ينصر قبيلته، أو حزبه، فحين تتعاظم التحديات يكون الوفاق حقاً هو المطلوب وتكون مهمة الحكومة ذات القاعدة العريضة القادمة هي صاحبة حمل وعبء وطني ثقيل، فالتحدي الأول الذي يواجهها هو استكمال النهضة ذلك الوعد الذي قطعه المؤتمر الوطني على نفسه في حملته الانتخابية التي حاز على صدارتها في الانتخابات الأخيرة، وهي الانتخابات التي سبقت مراحل الاستفتاء وما نتج عنه من انشطار في مساحة الوطن، فالتحديات التي تتعاظم في طريق الحكومة القادمة هي نفس التحديات بل وربما تزايدت والتي واجهها المؤتمر الوطني وهو يتهيأ للوفاء بوعده الذي قطعه أمام شعب السودان باستكمال النهضة، حيث أن الوطن المستهدف بالنهضة قد انقسم إلى ثلثين لأن ثلثاً على الأقل قد أصبح مكوناً لدول وليدة، وحتى هذان الثلثان اللذان بقيا من مساحة الوطن لا زالا يحملان في داخلهما الكثير من التحديات والقضايا الشائكة منها قضية دارفور والقضايا المستجدة في جنوب كردفان والنيل الأزرق والاقتصاد وهيكلة الدولة، وفوق ذلك قضية الوفاق الوطني مع القوى السياسية التي تحدثنا فيها بداية بأشواق وأمنيات نتمنى أن تتحقق لترسم للسودان واقعاً جديداً، لذا فإن جميع الحوارات الجارية الآن للتوافق الوطني نريد لها أن تكون مبنية وقائمة على أهمية الحوار نفسه حول الوطن أمنه وسلامته واستقراره ورفاهية مواطنه، حوار نريده أن يأخذ شكلاً جديداً إن لم يكن حوار الحادبين فيجب أن يكون أقرب إلى ذلك، والحادبون هنا هم الحادبون على مصلحة الوطن، وبالتالي نحن لا نريد للحوار الوطني مع القوى السياسية أن يأخذ شكلاً أقرب إلى حوار الطرشان، فالحديث المطلوب هو حديث واحد يعبر عن كل أحلام وتطلعات السودانيين آخذين الاعتبار كل التجارب المتلاحقة، نريده وفاقاً وليس نفاقاً وهذه رسالة لكل القوى السياسية. وهكذا يبدو المشهد السياسي وهكذا تتعاظم التحديات فبأي المداخل إذن ستصوب الحكومة القادمة نحو أهداف المرحلة؟