لقد سبق للحركة الشعبية أن هددت بأنها ستقوم بضربة عسكرية لرفع الروح المعنوية المنهارة لأفراد الجيش الشعبي بعد دخول القوات المسلحة إلى منطقة أبيي وتأمينها حتى شمال بحر العرب، كل المؤشرات والدلائل كانت تشير إلى أن منطقة جنوب كردفان هي المنطقة المرشحة لهذه الضربة العسكرية المتوقعة، وذلك نسبة لحالة التوتر والعنف السياسي المسلح التي عاشتها الولاية خلال مرحلة الانتخابات التكميلية وعكس كل ذلك تهديدات الحركة الشعبية (النجمة أو الهجمة) والأحداث المسلحة بمنطقة الفيض أم عبدالله، هذا بالإضافة إلى حالة اليأس والإحباط التي انتابت عبدالعزيز الحلو بعد إعلان نتائج الانتخابات. أعلنت الحركة الشعبية رفضها صراحة لنتائج تلك الانتخابات وعدم اعترافها بها، كما أشارت إلى أنها سوف لا تشارك في السلطة التشريعية والتنفيذية بالولاية، بالرغم من دعوتها إلى المشاركة. كل هذا يعتبر مؤشراً قوياً على أن الحركة الشعبية تخطط للقيام بعمل ما!! النسبة بالدوائر الجغرافية والتمثيل النسبي ودوائر المرأة التي تحصلت عليها الحركة الشعبية بالولاية والتي تقارب 40% من عدد المقاعد بالمجلس التشريعي بالولاية، هذه النسبة تؤهل الحركة الشعبية لقسمة السلطة مع المؤتمر الوطني ولكن يبدو أن الحركة الشعبية الأم بجوبا كانت لها أهداف أخرى تسعى لتحقيقها وهي التخلص من تبعات أبناء جبال النوبة العاملين في صفوفها بجرهم إلى الدخول في صراع مسلح جديد مع شمال السودان حتى يتولى شمال السودان هذه المهمة عن طريق عقد اتفاقية سلام جديدة مع المتمردين بجنوب كردفان وجنوب النيل الأزرق. تصريحات سلفاكير التي أشار فيها إلى أن الأحداث الدامية التي شهدتها ولاية جنوب كردفان مؤخراً، سببها المباشر هو تهديدات القيادة العسكرية للقوات المسلحة للجيش الشعبي بجنوب كردفان وجنوب النيل الأزرق بالانسحاب إلى جنوب حدود أول يناير 1956 خلال أسبوع وإلا فإن عمليات التطهير ستطال أي قوة لم تستجب لذلك. لقد استغلت الحركة الشعبية الإنذار العسكري للجيش السوداني بذكاء، حيث إنها جعلت من هذا الإنذار ذريعة قوية لتنفي عن نفسها مسؤولية مشاركتها في تلك الأحداث. كما أنها استغلت هذا الإنذار العسكري الذي لم يتم تنفيذه، استغلته كمبرر لضربتها العسكرية التي هددت بها. كل التقارير التي تناقلتها وسائل الإعلام المختلفة لم تشر إلى مشاركة فعلية للجيش الشعبي لتحرير السودان بعناصر رئيسية من قواته في أحداث ولاية جنوب كردفان الأخيرة، بالرغم من إشارتها إلى المشاركة الفعلية لحركة العدل والمساواة في هذه الأحداث، هكذا استطاعت الحركة بحجر واحد أن تصطاد أكثر من عصفور، حيث إنها نفذت تهديدات بضربتها العسكرية فكسبت بذلك المصداقية ثم رفعت الروح المعنوية لجيشها المنسحب من منطقة أبيي، كما تمكنت من خلال ضربتها العسكرية التي نفذتها بولاية جنوب كردفان من نقل مسرح الحرب إلى الشمال، كما تمكنت من تحويل الحرب لحرب شمالية شمالية!! وبرهنت للعالم أجمع ولأسيادها بأنها حركة قوية وقادرة للقيام بكل الأدوار المرسومة لها بواسطة الصهيونية العالمية. الحركة الشعبية الآن غرست بذور حرب الاستنزاف الجديدة بشمال السودان باشتعال شرارتها بجنوب كردفان وستمتد هذه الشرارة إلى جنوب النيل الأزرق وربما تنتقل للخرطوم، هذا بالإضافة إلى تصعيد العمليات العسكرية بدارفور. هكذا تكون الحركة الشعبية قد حققت كل ما أعلنته من قبل؛ عندما أشارت إلى أن الحرب الجديدة بين الشمال والجنوب سيكون مسرحها شمال السودان!! السيناريو المرسوم لتفتيت وحدة السودان قد أصبح الآن مكشوفاً بعد بلوغه لهذه المراحل المتقدمة من التنفيذ، حيث بدأت مرحلة قطف الثمار بكسب الشرعية الدولية لدولة الجنوبالجديدة في التاسع من يوليو القادم وبعد ذلك سيتم قطع الأطراف الأخرى التي يجري شدها الآن وربما يتم قطعها في مرحلة واحدة أو أكثر على حسب ما يسمح به الموقف الإقليمي والدولي وقدرة الحركة الشعبية على التنفيذ!! الموقف الماثل الآن بجنوب كردفان قد عاد إلى ما كان الحال عليه في عام 1989م وينطبق ذلك أيضاً على جنوب النيل الأزرق تماماً، أما دارفور فهي التي تمثل المتغير الجديد وموقفها أكثر تعقيداً وتأزماً، حيث إن وثيقة سلام دارفور إذا ما تم التوقيع عليها فإنها ستقود إلى أبوجا ثانية!! خلاصة القول أن حلقات التآمر الدولي والإقليمي قد بدأت الآن تضيق حول السودان بعد أن تم تدويل قضية دارفور وقضية أبيي وقضية جنوب كردفان، والعمل جارٍ الآن لتدويل قضية جنوب النيل الأزرق، وبذا يكون السودان قد أصبح بين فكي الأسد (مواجهة المجتمع الدولي وتصعيد النشاط العسكري)، بجبهات القتال المختلفة، مع احتمال نقل النشاط المعادي إلى العاصمة القومية عن طريق إحداث نوع من الاضطرابات والاغتيالات السياسية لإحداث نوع من الفوضى الأمنية لشل وإرباك خطط الحكومة حتى لا تستطيع التصدي بقوة للمخطط العالمي الكبير الذي تتعرض له البلاد. المرحلة الراهنة تتطلب إعلان التعبئة العامة والاستنفار واستدعاء قوات الاحتياط وقوات الدفاع الشعبي وكتائب المجاهدين والدبابين وفتح معسكرات التدريب والاتصال بالدول العربية والإسلامية والدول الصديقة لدعم السودان من أجل الحفاظ على وحدته. تبرز هنا أهمية الإسراع في تحقيق الوفاق الوطني والوحدة الوطنية صمام الأمان للسودان. تغيير أسلوب المعاملة مع الحركة الشعبية أصبح من ضروريات المرحلة، لا اعتراف ولا تفاوض ولا تعاون مع دولة الجنوبالجديدة، كما يجب وقف تصدير بترول الجنوب عبر الشمال في التاسع من يوليو القادم وقفل الحدود والمجرى النهري وخط السكة حديد والطرق البرية. لا بد من التركيز خلال هذه المرحلة بصورة رئيسية على تدمير الآلية التي اعتمدت عليها القوى الدولية في تنفيذ مخططاتها بالبلاد. علينا أن نتذكر بأن اهتمامنا بعمليات التحرير والتمسك بالأرض خلال هذه المرحلة غير مجدٍ وسيقود ذلك إلى إنهاك وتجمد القوات وهذا ما تسعى له القوى المعادية خلال هذه المرحلة لأن ذلك سيساعدها كثيراً في تحقيق كل أجندتها الخاصة ولهذا ينبغي علينا أن نحرص على أن تكون قواتنا دائماًً متحركة وفي تشكيلات قتالية متوازنة ومجحفلة بصورة جيدة تمكنها من إنجاز عملية التدمير والتطهير في أقصر وقت ممكن حتى لا نعطي الفرصة للمجتمع الدولي لتوسيع نطاق تواجده في بلادنا. ختاماً الله غايتنا والرسول قدوتنا والجهاد سبيلنا ولا صوت يعلو على صوت المعركة، وبالله التوفيق.