في زمن قل فيه إيمان الناس بالمقولة الخالدة «الطب مهنة إنسانية» وأن الأطباء هم «ملائكة الرحمة» وما ذلك إلا تعبيراً من عامة الناس عما يرونه من غلاء أجور كبار الأطباء والمشقة البالغة في مقابلتهم في المستشفيات العامة، فمن أردت مقابلته فما عليك إلا التوجه إلى العيادة الخاصة وما يلي ذلك من رسوم باهظة يقتطعها الناس من أقواتهم، ولأن بكل قاعدة شواذ فهنالك الكثير من الأطباء يتمتعون بقلوب رحيمة والدنيا آخر همهم فتراهم بصورة دائمة في المستشفيات وفي العنابر وفي مكاتبهم، فهلا صاروا مضرباً للأمثال وقدوة لغيرهم ومثالاً للتجرد وإنكار الذات والشفافية في التعامل مع الغني والفقير والكبير والصغير، وفي رأيي أن من هؤلاء المتجردين: { د/ حسن عبدالله: إذا ما رأيته ماشياً بخطواته الهادئة ممسكاً أوراقه بين يديه وهو دأبه دائماً وقد يوقفه عامل أو عاملة أو فراشة في رابعة النهار والشمس أقرب ما تكون للرؤوس فلا يتضجر بل يستمع بكل رحابة صدر ويسأل ويستفسر ويكتب العلاج وهو واقف وهو الشيخ الكبير، أما مكتبه فهو مكتب كل عامل وموظفي المستشفى، ما أن يعلم أنك زميل وهذه الكلمة تكفي بدون أي تفاصيل حتى تجد العون والاهتمام وهو على شهرته ما زالت عيادته حتى اليوم «بخمسة جنيهات» وهو لا يركب سيارة بل يؤجر تاكسي من راتب العيادة للمستشفى ولذلك فهو يجد الاحترام والتبجيل من الكل. { مستر محمد عبدالرازق: الرجل الصارم القوي، تراه مسرعاً دائماً وخلفه الأطباء يسرعون الخطى ليدركوه، رجل يحب خدمة الناس، ما من اخصائي يتواجد دائماً بين مرضاه ويتابع حالتهم بنفسه أكثر منه وهو يقدر كل عامل في المستشفى والشاهد أنه إن أتاه عامل في عيادته يرفض أخذ الرسوم. { دكتورة/فاطمة فرح الإنسانة الضاحكة، صاحبة أجمل ابتسامة وأصفى روح وأنقى دواخل، تستحق أن نفرد لها الأحرف والمقالات عن جميل صنائعها وأن تكون مثالاً للتواضع وإنكار الذات، تعرف الجميع وتسلم على الكبير والصغير وتستقبل الكل في مكتبها ولا تألو جهداً في خدمتهم ولا فرق عندها بين فراشة وطبيبة ومدير وغفير، فالكل عندها سواء، فاستحقت مكانتها لدينا. هؤلاء غيض من فيض والأمثلة كثيرة والإشراقات موجودة حتى يعود إيمان الناس بأن الطب مهنة إنسانية، فهؤلاء أكثر إنسانية منا جميعاً. موظف بمستشفى الخرطوم