بإمكان أولياء الأمور الجلوس والتجول في سوق شاشات التلفزيون لابتياع المدرسة الأحق بتسجيل أبنائهم، وليس عليهم تكبد عناء الذهاب إلى المدرسة من أساسه فما عليه إلا الاتصال على الأرقام المعروضة أمامه على الشاشة وإرسال رسوم التسجيل والترحيل عبر الحساب المصرفي، لينسى أمر ابنه أو ابنته تماماً فهو في أيدي تجار التعليم الأمينة! أمانة التربية والتعليم بالمجلس الوطني التي تنام على وسادة مريحة من ريش العام الدراسي السابق، تفرح بما حققته المدارس الخاصة من نتائج استغرق إعلان المئة الأوائل منها طوال ذاك النهار! لإثبات أكذوبة أن التعليم الخاص هو الحل لمشكلات التحصيل العلمي لدى الطلاب والتحصيل المادي لدى جيوب الأسر. ولتضيع القيم التعليمية ومجانيته وأساسياته التربوية، ما دامت الوزارة راضية عن القطاع الخاص. والتعليم الخاص مهما تحدثنا وصرخنا عن مساوئه فلن يحدث أي تغيير فيه. فالخطأ التربوي الكبير الذي ارتكبته الحكومة حينما أوقعت علينا عقوبة الخصخصة التي طالت أهم المرافق الخدمية للناس بل أكثرها أهمية على الإطلاق - التعليم والصحة - هو خطأ لن تتم معالجته أبداً حيث أصبحت هناك مصالح واستثمارات وأموال ودراسات جدوى وسياسة دولة جديدة تماماً انتهت من الفكرة السابقة والواضحة في كافة الحقوق والقوانين العالمية بأن التعليم حق للجميع. وجعلته حقاً للذين يستطيعون دفع حقه! منذ مرحلة الأساس وحتى التعليم العالي - وهذا حكايته الخاصة حكاية! - واستطاعت هذه الحكومة صناعة جيل لا تهمه الأخلاق ولا التعليم، جيل يدفع ثمن كل شيء ويشتري كل شيء ما دامت هناك خصوصية تكفلها له القوانين التربوية منذ بداياتها. بداية كل مجتمع تصنعها مناصفة البيوت والمؤسسات التعليمية إن كانت مدرسة أو خلوة أو كنيسة... إلخ، يتم تبادل الجرعات التعليمية بين المواد التثقيفية والأخلاقية التي تؤسس لفرد مفيد لمجتمعه متزن الأفكار والأحاسيس الإنسانية فلا يضع نفسه في مرتبة أعلى من آخر ولا يقلل من آخر لمجرد أنه تلقى تعليمه في الجهة الفلانية! وما يحدث في مجتمعنا الآن من تطاولات إنسانية على الفقراء ليست حالات فردية معنية بها نماذج متفلتة لتربية متعالية من واحدة من طبقات المجتمع إنما هو أسلوب منهجي حكومي لوضع سياج كهربائي لهم ليكونوا ضمن مثلثهم البرمودي الخطير ليبتلعهم الفقر والمرض والجهل، ما داموا لا يستطيعون دفع قيمة تعليمهم وعلاجهم وتوظيفهم! إن وظيفة التعليم هي إضاءة عتمة العقول الجاهلة بنور التعليم، ووظيفة الإعلان فتح الخيارات أمامك لتختار بكامل إرادتك بلا وصاية على رأيك، ووظيفة أولياء الأمور هي جعل المستحيل ممكناً لأولادهم واختيار الأفضل لهم والجلوس مطولاً متسمرين أمام شاشات القنوات لمشاهدة فنادق التعليم وخدماتها التي تقدمها للطلاب التي تبدأ من الفصول المكيفة وتنتهي بالسيارات الهدايا للمتفوقين! فيختارون إيجار منازلهم لمدرسة تضمن بقاء طفلها داخل حوش منزله متعلماً بلا فائدة سنوية..! إن سنوات تدهور التعليم مستمرة ولن يقف أحد لها فمن يملكون القدرة على التغيير، يمتلكون مدارس خاصة بلغات إنجليزية ناطقة، يدرس أبناؤهم فيها، فلا يستطيعون درء الخطر الذي لا يحسونه ولا يرونه. وما نراه يومياً منذ خواتيم الإجازة الصيفية هي إعلانات متكررة لمدارس لا فرق بينها والفنادق إلا بالكراسي والأدراج. فحتى المعلمين تخلصوا من هيبة المعلم وتحولوا فيها إلى مهرجين يرتدون الجلاليب والثياب الملونة والإكسسورات لإثبات أنهم منعمون ولا شك لا يحتاجون إلى مالك وبهم سيدخل ابنك من ضمن المئة الأوائل - وهذه بدعة تعليمية غريبة ! أما الغريب في الإعلانات هو ما تدفعه الوزارة ذات نفسها للإعلان عن حسن نيتها في التعليم الحكومي وكتبه وكراساته واحتضان الطلاب الذين لا يملكون قيمة التسجيل و... نمشي فاصل تعليمي لمدارس (خمسة نجوم) الخاصة ونواصل!