{ يودع عمرو موسى الجامعة العربية في ظروف بالغة الحساسية في النطاق القومي كله، وما من موقف يتخذه الرجل الآن إلا ويفسر على أنه ورقة انتخابية باعتباره من أبرز المرشحين لمنصب الرئاسة في مصر! { كثيرة هي النقاط التي يمكن تسجيلها ضد الجامعة العربية في عهد السيد موسى، وإن كان الرجل قد تنبه منذ اليوم الأول رغم التعويل عليه وتوريطه شعبياً بأغنية لشعبان عبدالرحيم تجعل الحب كله له.. والكراهية كلها لإسرائيل، بأنه لا يملك العصا السحرية لأنه باختصار ليس نبياً أو مجترح معجزات! { لكن ما يعترف به حتى خصوم عمرو موسى هو امتلاكه لكاريزما من طراز خاص، ندر أنها تكررت بعد الستينيات، عندما كانت الكاريزما شرطاً للزعامة لأن الفترة كانت تسمح بذلك، وهي التي اتسمت بحراك استقلالي بلغ ذروته في الحرب الباردة ثم انطفأ! { ليست لي معرفة بالرجل أكثر من كونه أميناً عاماً للجامعة العربية، لكن ما أثير من سجال حول بقائه على المنصة بعد انسحاب أردوغان دفعني إلى تأمل الموقف بشكل غير انفعالي وبعيداً عن إفرازات النرجسية القومية الجريحة في تلك الأيام. { وأذكر أن الكثير من الأصدقاء في القاهرة استغربوا مني هذا الموقف العقلاني، عندما كتبت أن انسحاب الرجل بعد أردوغان كان سيجرنا ثانية إلى اعتاب الباب العالي، أما لو كان قد انسحب قبل أردوغان فإن للمسألة وجها آخر وقراءة مغايرة. { وشاءت المصادفة أن ألتقيه ذات مساء على سطح باخرة عائمة على النيل في حفل استقبال أعدته صديقة بعد ندوة عقدناها عن أحوال الإعلام في العالم العربي وفي المقدمة منه مصر.. وأعدت له ما قلته وما كان قد بلغه لكن بشكل أدق، وقال أمام الحضور ومنهم السيدة الفاضلة منى ابنة الزعيم عبدالناصر، إن هذا ما فكّر به، خصوصاً وأن له صفة تمثل العرب على تلك المنصة في دافوس! { الآن يغادر عمرو موسى مبنى الجامعة العربية لكن ليس إلى بيته متقاعدا كي يتفرغ لكتابة المذكرات عن العرب وجامعتهم وشجونهم، كما أنه لا يغادر أعتاب الجامعة في ميدان التحرير إلى الأممالمتحدة ليكون أول أمين عربي لها كما حدث للسيد بطرس غالي. { عمرو موسى مرشح لرئاسة مصر ويصطحب معه إلى هذا الترشح الكاريزما ذاتها التي لم ينل منها التقدم في العمر، لكنه أيضاً يصطحب معه عتاباً عربياً ومنه مصري أيضا على ربع ساعته الأخير في الجامعة العربية! { بالطبع ليس من حقي أن أنتخب عمرو موسى أو أياً من منافسيه لأسباب دستورية، فالرجل مرشح لرئاسة مصر وليس الوطن العربي الذي لم يفقد الوحدة فقط، بل فقد الحلم بها، لهذا فهي قراءة مشهدية لرجل وموقع وتاريخ، ومن حق الناس أن ينحازوا لهذا الطرف او ذاك، سواء لأسباب سياسية أو أخلاقية، لكن ليس من حق أحد أن ينحاز من أجل مكسب أو فائدة، ففي مصر بالتحديد فقدت صديقاً لأنه تقلد منصباً رفيعاً في الدولة لأنه لم يعد يملك من الوقت كي نتقاسم فنجان قهوة في نادي سويرس بجاردن سيتي أو مقهى ريش أو أي مكان آخر.. أما الرجل الذي اعترف بأنه لا يملك عصا موسى فلن يزعم أنه عثر عليها في الطريق إلى قصر الرئاسة! خيري منصور