أنا لا أمل التكرار ولا أقلع عن كثرة الترديد أن أضعف نقطة وأوهن حلقة في مشروع الإنقاذ الوطني هي حلقة الإعلام، حيث ظل إعلام الحكومة دائماً في دائرة الظلام، حيث يتقضي وجوده في دائرة الضوء، كما ظل دائماً يظهر ما ينبغي إخفاؤه ويخفي ما ينبغي إظهاره، وقد ظل هذا الإعلام الحكومي مع سبق الإصرار هو المسؤول الأول في تغبيش الرأي العام الداخلي عبر طمس وتعتيم كل إنجازات الإنقاذ التي أشبعها قتلاً رغم أنها إنجازات سامقة تصب في خانة المعجزات لو كانت وجدت إعلاماً ذكياً محترفاً، ونفس هذا الضعف والتخبط والوهن الإعلامي الحكومي الذي يعتري أجهزة الإعلام الرسمية يظهر أيضاً بصورة كارثية من خلال النشاط الإعلامي للمسؤول التنفيذيين في الدولة ومن خلال طريقة تعاملهم مع الإعلام، حيث يفتقر كثير من المسؤولين للخبرة وحسن التعامل مع الإعلام، كما يفتقرون للثقافة الإعلامية التي تؤهلهم للتعامل الذكي مع الإعلام، حيث ظل مسؤولونا دائماً عرضة للاستدراج الإعلامي الضار وعرضة للفوضى والهرجلة والتخبط التي ظلت دائماً سبباً في هذا الاضطراب الذي يجتاح مجالنا الإعلامي، حيث ظلت فضاءات الإعلام الحكومي تبيح الحرية المطلقة وتمنح حق التعامل الإعلامي لكل مسؤول، وهذه الفوضى تسأل عنها وزارة الإعلام بالدرجة الأولى لأنه لا توجد في العالم دولة محترمة ومنظمة تبيح لكل مسؤول حرية التعامل مع الإعلام وتمنحه حق التصريح لأدوات الإعلام إلا أن تكون هذه الدولة دولة ساذجة لا تدري خطورة وتأثير الإعلام، ولذلك فإن حق التعامل الإعلامي في الدولة المتحضرة يعتبر حقاً حصرياً محصوراً فقط في وزارة الإعلام التي تعتبر هي وحدها من ينظم سير العملية الإعلامية وبالتالي ينبغي على وزارة الإعلام أن تكون هي المشرف المباشر على كل أدوات الإعلام في الدولة، بما فيها الناطقون الرسميون باسم الوزارات، وبالتالي كان يفترض على وزارة الإعلام أن تمنع منعاً باتاً أي مسؤول، صغر أم كبر، من التعامل المباشر مع الإعلام دون الترتيب المسبق مع وزارة الإعلام. ما دعاني لهذا الكلام هو فوضى التصريحات التي تتلاطم أمواجها الآن في الصحف وأدوات الإعلام الأخرى حول الجدل الدائر حول القروض الربوية، وهذا التناول الإعلامي الفاضح والمتبرج لهذه القضية هو حلقة صغيرة من حلقات الفوضى والهرجلة الإعلامية التي تضرب أدوات الإعلام الحكومية وبعض مسؤوليها وبعض مؤسساتها كالمجلس الوطني، حيث إن الدولة التي تضربها الهرجلة الإعلامية لا تعلم ماذا تقدم إعلامياً وماذا تؤخر لأن قضية القروض الربوية التي تدوي رعودها الإعلامية هي قضية فقهية معقدة ينبغي نقاشها بعيداً عن الإعلام وبعيداً جداً عن «مدرجات الجماهير»، ومن المؤسف أن القضية كان قد تم تناولها سابقاً خلال قروض سد مروي عندما أجاز الفقهاء أن التعامل بالربا جائز في «حالة الدولة» إذا كانت هنالك ضرورة ترتب مصلحة عامة، وبناء على هذه الفتوى السابقة تمت الموافقة على قروض سد مروي، رغم أن نقاش تلك القضية وقتها قد وقع في ذات الخطأ والتبرج الإعلامي، حيث خلق تناولها الإعلامي ضباباً كثيفاً وسبب اهتزازاً ارتدادياً في صورة دولة المشروع الإسلامي لدى العوام ولكن يبدو أن دولتنا الرشيدة وإعلامها المتخبط اللذين يكرران أخطاءهما لم يستفيدا جيداً ولم يمتلكا الذكاء الكافي لتفادي تلك الآثار السالبة التي خلفها نقاش قضية الربا في الهواء الطلق سابقاً، حيث عادت الدولة وعاد إعلام الدولة وعاد أعضاء المجلس الوطني لتكرار ذات السيناريو وذات «شيل الحال» في قضية قروض نهر عطبرة كأنما هذه الدولة لديها أرتال من الطابور الخامس متخصصون، تمرسوا على إشانة سمعة الدولة وتعتيم صورتها الإسلامية، حيث يمكن لأي مراقب أن يلاحظ كمية البيانات والتصريحات والندوات والاجتماعات واللجان التي عقدت لهذا الموضوع والتي كانت «نهايتها التراجيدية» هي «جواز الربا للمشروعات العامة في حالة الضرورة»، أي أنه بعد كل هذه المساجلات الضارة رجع النواب ورجع إعلام الحكومة لذات الفتوى السابقة ولكن فقط بعد إحداث دمار شامل إضافي لصورة الدولة الإسلامية وصورة مشروعها الحضاري، لذلك فإن الدولة قد أخطأت خطأً كبيراً حينما جعلت هذا الموضوع مادة إعلامية في الهواء الطلق يطلق عبرها نواب المجلس الوطني التصريحات ويتناولها الوزراء بالفتاوي ويحتفل بها إعلام الحكومة الساهي لأن هذا الموضوع هو موضوع فقهي استثنائي كان يمكن أن يتم نقاشه في جلسة مغلقة شديدة السرية، بحضور نواب المجلس الوطني والفقهاء ومن ثم اتخاذ القرار المناسب بشأنه دون جلبة ودون ضوضاء محدثة كل تلك الهرجلة الإعلامية التي امتدت حتى شملت صحيفة الحزب الحكم «الذكية جداً» لتتخذ من القضية عناوين رئيسية في صدر صفحاتها الأولى، حيث إن إعلام الحكومة الساهي لا يعلم أن غالبية الشعب البسيط وبفعل إعلام الحركة الإسلامية لترسيخ مشروع الاقتصاد الإسلامي (عندما كان للحركة الإسلامية إعلام) قد ترسخ في علم الشعب البسيط الحرمة المطلقة للتعامل بالربا وبالتالي فإن المواطن البسيط لا يشغل نفسه كثيراً بتعقيدات الفقة الاقتصادي التي تبيح التعامل بالربا في بعض الحالات، ولذلك فإن كل ما يصل إلى عامة الشعب من هذه الحملة الإعلامية هو أن عامة الشعب سوف يفهم أن «دولة المشروع الحضاري» تتعامل بالربا.