الغوص بين الأغوار وعبر دهاليز السياسة وفي مكامن العمق دائماً ما يخرج لنا بالخلاصات المطلوبة، فما يطبخ على المستويات المختلفة من خلف الكواليس بات مطلوباً أحياناً أمام الكواليس. فالسودان في قضية دارفور انبنت المداخل إليه على خلفيات بعيدة، وعلى الرغم من أنه على مدار السنوات الماضية كان الدور الإقليمي والمحلي محسوساً في مسارات السياسة السودانية، خاصة في ما يتعلق بقضية دارفور التي يتأزم الموقف فيها وينفرج بمقدار الانفراج والتأزم في العلاقات السودانية مع الغرب وأوروبا وبالعكس، لهذا أجد نفسي مقتنعاً تماماً أنه كلما تحقق انفراج في قضية سلام دارفور تسعى دول التآمر لشغل الأنظار عن أي مكسب يتحقق في قضية السلام، وها هي فعلاً وقبل أن يجف مداد حبر كلمات وثيقة سلام أهل دارفور التي خرج بها مؤتمر أهل المصلحة انتقلت الأنظار تجاه مناطق أخرى من السودان كجنوب كردفان وغيرها، ولا أشك أن هناك ترتيبات منظمة من دول الاستعمار لاستنزاف السودان في أكثر من موقع وبمساعدة بعض أبنائه. فمنذ اندلاع أزمة دارفور في مارس 2003 ظلت الحكومة السودانية - وهذا ليس دفاعاً عنها - تؤكد خيار التفاوض والحوار للتعاطي مع هذه الأزمة، وعبرت عن هذه الإرادة من خلال مشاركتها وبأعلى المستويات في جولات التفاوض منذ اتفاق أبشي الذي رعته تشاد وأفضى إلى اتفاق من بعد ذلك، وتبعه اتفاق انجمينا حيث جددت الحكومة هنا التزامها عندما استؤنفت المباحثات من بعد ذلك، ويأتي كل ذاك الجهد بعد أن رفضت بعض الحركات الاشتراك في اتفاق أبشي محتجة وقتذاك بأن الوسيط التشادي غير محايد ومتحيز إلى الخرطوم ، فجاء اتفاق انجمينا تحت رعاية الرئيس التشادي، وبحضور مراقبين من الاتحاد الأفريقي والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدةالأمريكية، حيث تم التوصل إلى وقف إطلاق النار في العام 2004 لتسهيل إيصال العون الإنساني للنازحين واللاجئين والمتأثرين بالحرب، ومن ثم جاءت مباحثات أبوجا وتواصل سعي الحكومة الحثيث للتوصل إلى تسوية سلمية للمشكلة وصولاً في ذلك إلى اتفاق أبوجا للسلام في العام 2006 بعد جولات من التفاوض بين الحكومة السودانية وحركة تحرير السودان جناح مناوي، حيث رفضت حركة العدل والمساواة وحركة تحرير السودان جناح عبد الواحد التوقيع على الاتفاق. وأتى منبر الدوحة من خلال موافقة الحكومة على المبادرة العربية الأفريقية التي أنشأت منبر الدوحة في العام 2007م، وبرعاية من دولة قطر، ومن خلال منبر الدوحة جرى التوقيع على اتفاق حسن النوايا مع حركة العدل والمساواة عام 2009م، وأعقبه الاتفاق الإطاري 2010م بعد أن تم التوقيع عليه بالأحرف الأولى، ثم وقعت الحكومة الاتفاق الإطاري مع حركة التحرير والعدالة بالدوحة. هذا كله كان قبل الموقف الأخير الذي وضع النقاط جميعها على الحروف من خلال ائتمار أهل المصلحة وما وصلوا إليه، لكن الشاهد وكما قلت إن الأمريكان وبعض الأوربيين لا تهمهم قضية بعينها ولا يهمهم إن اجتمع أهل المصلحة أو لم يجتمعوا طالما هم أهل المصلحة الحقيقيون وهم الذين يديرون الأزمات ويحركونها من وراء الكواليس، لذا فقط نريد منهم أن يديروا الألعاب أمام الكواليس وليس وراءها لأننا سئمنا قولة وراء الكواليس.