ها هي لعنة النفط تطارد قيادات الحركة الشعبية في أعقاب المُلاسنات الحادة التي وقعت في الأيام الماضية بين وزير السلام بحكومة الجنوب باقان أموم ووزير النفط الاتحادي لوال دينق.. وبدون مقدمات وجد وزير النفط نفسه أمام (قذائف وراجمات) باقان أموم وهي تخرج من فوهاتها اتهامات قاسية وصلت إلى حد (العمالة) لصالح الشمال. وقال القيادي بالحركة الشعبية أتيم قرنق ل(الأهرام اليوم) إن خلافات لوال وباقان حول تسويق النفط عادية تندرج في إطار وجهات النظر المتعارضة حول قضية من القضايا، وأكد أن رأي المؤسسية سيسود في نهاية المطاف عندما تجلس كافة الأطراف لمناقشة القضية بكل تفاصيلها. لكن الخبير الاقتصادي محمد الناير أكد ل(الأهرام اليوم) أن وزير النفط لوال دينق تحدث عن قضية النفط استناداً على معلومات حقيقية ومستندات تفصيلية لا يعلمها إلا الممسكون بملف النفط، وأن اتهامات باقان سياسية ويريد عبرها تحقيق أجندة محددة. تعود تفاصيل القضية إلى أن أموم قال في الثاني من يوليو الجاري في تعميم صحافي رسمي بثه تلفزيون جنوب السودان طبقاً لما أوردت صحيفة (سودان تربيون) إن وزير النفط لوال دينق ارتكب (خيانة) في حق الجنوب وينبغي محاسبته، ونوّه إلى أن حكومة الجنوب فوجئت ببيع وزير النفط لإنتاج الجنوب من النفط لشهر يوليو للشمال خلال المفاوضات بين وفدي الحكومتين بالشمال والجنوب بأديس أبابا، وكشف عن توجه حكومته للتحقيق في ما قام به وزير النفط. لكن وزير النفط التقط القفاز وشنّ هجوماً قاسياً على وزير السلام بحكومة الجنوب واصفاً إياه بصغير السن وعديم المعرفة والخبرة بما يدور في قطاع النفط وأضاف: «خبرته السياسية في مستوى أولى روضة، وأنا أكبر منه سنّاً ومعرفة ومن المؤسسين للحركة»، لافتاً إلى أن الواجب يحتم على باقان طلب تقرير شفاهي قبل إطلاق اتهاماته على الملأ ووصفه (بعميل) الشمال، وأكد أن حصة الجنوب تم بيعها بعلم رئيس حكومة الجنوب واللجنة التي يرأسها بصفته وزيراً للنفط وإنفاذ البيع لعدم توفر المخازن والمعينات مع إعطاء حكومة الجنوب صورة واضحة عن الموقف، ونفى وزير النفط علمه بوجود خط أنابيب سري لتصدير نفط الجنوب، وأكد أنهم مجبرون على التعامل مع الشمال خلال ال(24) شهراً المُقبلة إلى حين إنشاء مصفاة الجنوب التي تُكلف ثلاثة أضعاف التكلفة الحالية، وألمح لوال إلى مواجهتهم مشكلة حقل (فارجاك) المنتج ل(40) ألف برميل والحاجة إلى مصفاة بسعة (20) ألف برميل. ويعود الناير ويشير ل(الأهرام اليوم) إلى أن أمين عام الحركة الشعبية باقان أموم لا يعيش إلا في الأجواء العكرة كعادته دائماً، خاصة وأن ما يدور في قطاع البترول معروف ولا يحتاج إلى ضجة سياسية. الاتهامات بشأن النفط طالت حكومة شمال السودان أيضاً إذ اتهم وزير نفط جنوب السودان قرنق دينق في يونيو الماضي الخرطوم بالعمل على احتلال مناطق النفط في جنوب السودان، وأن المؤتمر الوطني يجهز للحرب بعد احتلال أبيي وجنوب كردفان وإعلانها بالنيل الأزرق للتمهيد للسيطرة على مناطق إنتاج النفط بولاية الوحدة، وأن الخرطوم تريد (خنق) الجنوبيين و(تجويعهم) والتأكيد على خطأ اختيارهم للانفصال في الاستفتاء الماضي، ودلل على حديثه بإغلاق الحدود بين الجنوب والشمال وإيقاف تدفق النفط والبضائع وخلق شعور عام لدى الجنوبيين بسوء الانفصال. إلى ذلك كشف دينق عن رسالة دفع بها أمين عام الحركة الشعبية باقان أموم طالب فيها بإيقاف بيع النفط عبر الخرطوم في الثامن من يوليو المقبل، وهدَّد فيها بتقديم شكوى رسمية إلى المجتمع الدولي حال استمرار الخرطوم في بيع النفط. ووصف أموم أي تحرك لبيع النفط ب(القرصنة) التي يجب أن تقف عند حدها. ويعتمد الشمال على النفط بنسبة (70%) في موازنته العامة في وقت يعتمد فيه الجنوب عليه بنسبة (98) في المئة. وفي السياق ذاته أكد وزير النفط لوال دينق استمرار نظام تسويق نفط الجنوب عبر الطرق المعمول بها إلى ما بعد التاسع من يوليو إلى حين التوصل إلى اتفاق، وأعلن أن عائدات النفط ستذهب بعد التاسع من يوليو إلى حساب حكومة الجنوب في (سيتي بانك) بنيويورك بعد دفع رسوم استخدام المنشآت النفطية الموجودة بالشمال. وقال في مؤتمر صحافي بالخرطوم وقتها إن تسويق نفط الجنوب حال عدم الاتفاق حوله سيسوق عبر العطاءات والجدولة المعروفة، وشدَّد الوزير على أن النفط بمثابة حلقة الوصل بين الشمال والجنوب، وأن مصلحة الجانبين تقتضي التعاون المشترك، وإبعاده عن محاولات التشويش التي يقودها البعض. ومن جانبه قال وزير المالية الاتحادي علي محمود إن إيرادات السودان ستتراجع بأكثر من الثلث بعد فقد نفط الجنوب عند تقسيم البلاد مما سيدفع الشمال إلى خفض الإنفاق الحكومي والبحث عن مصادر أخرى للدخل. في ظل التطورات التي يشهدها ملف النفط بين الشمال والجنوب نجد أن حكومة جوبا اتجهت نحو دول شرق أفريقيا حيث اتفق رئيس حكومة الجنوب، سلفاكير ميارديت، والرئيس الكيني مواي كيباكي على إنشاء ميناء (لامو) في كينيا بمساهمة من جنوب السودان وكينيا وإثيوبيا ليكون ميناءً مشتركاً للتصدير والاستيراد لهذه الدول الثلاث، وقال الوزير بمكتب رئيس حكومة الجنوب سيرينو هيتنغ إن الرئيسين ناقشا كيفية تنفيذ مشروع ربط جنوب السودان بكينيا عبر السكة الحديد إلى جانب عدد من القضايا المتعلقة بالعلاقات بين جنوب السودان وكينيا في أعقاب إعلان استقلال جنوب السودان في يوليو المقبل. وكانت صحيفة (ستاندارد) الكينية قالت على لسان المستشار الخاص لرئيس حكومة الجنوب، كاستيلو قرنق إن الخطة الأساسية تقوم على ربط خط السكك الحديد الحالي في كينيا بموقع (رونغاي) بعد أن تبنى له منصة للمستوعبات، مضيفاً أنهم الآن بصدد دراسة مرفأ لامو الذي يعتبر مرفأ مقترحاً ليصبح طريقاً بحرياً حيوياً لصادرات النفط الخام السودانية. وتجدر الإشارة إلى أن مشروع خط السكة الحديد الأفريقية الشرقية تقدر تكلفته بنحو (7) مليارات دولار إلى أن يصل جوبا (بغولو وتورورو)، قبل أن يتصل بخط سكك الحديد الكيني الأوغندي، وتقدر مسافته الإجمالية ب(725) كلم. وبحسب موقع (سودان تربيون) فإن شركة (تويوتا تشوشو) اليابانية اقترحت على المسؤولين الكينيين في وقت سابق إنشاء خط أنابيب بطول (1400) كلم (870 ميلاً) لنقل النفط الخام من جنوب السودان إلى ميناء (لامو) بكينيا على المحيط الهندي، وسبق أن طرح مسؤولو هيئة أنابيب النفط الكينية الفكرة على مسؤولي حكومة جنوب السودان بزعم أن الوضع الإقليمي لكينيا سيمنح جنوب السودان ميزة لا مثيل لها من حيث الوقت، وإنهاء الصفقات التجارية، وفي ذات السياق كشف مدير تنفيذي بالشركة اليابانية في عرض قدم للصحفيين بنيروبي أن أنبوب النفط سيكون بطاقة قدرها (450) ألف برميل في اليوم، وتبلغ تكلفة إنشائه (1.5) بليون دولار وستقوم شركة (تايوتا) بعد عشرين عاماً من ملكيته بتسليمه للحكومتين الكينية وحكومة جنوب السودان.