معلوم أن أي قطاع اقتصادي يموت وينزوي إذا أضفت الدولة عليه أي شكل من أشكال الحماية الاحتكارية التي تضطر المواطن المغلوب على أمره أن يشتري خدماته بأعلى الأسعار وإن كانت دون المستوى المطلوب، وجميعنا يذكر عندما كنا نشتري شريحة موبيتل بمبلغ (200) ألف جنيه ونشتري خدمة إظهار الرقم بمبلغ (30) ألف جنيه، وذلك التعالي الذي كان يمارسه الموظفون! أما الآن فالشرائح المختلفة للشركات ينادي بها الباعة الجائلون بأسعار تقل عن سعر كيلو الموز! وجميع الشركات تروّج لخدماتها المجانية لتخطب ود المواطن ! فهل كان بالإمكان حدوث هذا في قطاع الاتصالات لو لا المنافسة؟ لذلك يجب أن ننزعج من منافسة التعليم الخاص للحكومي لأنها لن تكون إلا خيراً وبركة للمواطن والوطن. فرغم الجهد الكبير الذي بذلته الحكومة في إنشاء المدارس من (60) مدرسة قبل الإنقاذ في ولاية الخرطوم إلى (450) مدرسة!! وانتصارها في معركة الكتاب المدرسي وإجلاس التلاميذ؛ إلا أننا نطمح في أن ترفع الوزارة يدها عن احتكار التلاميذ المتفوقين للمدارس النموذجية لدرجة أن المئة الأوائل هذا العام إما تلميذ نموذجي أو تعليم خاص!! فإذا رفع هذا الاحتكار فقط يمكن أن نسمع (د. فتحية حمزة) مديرة المرحلة الثانوية تتحدث عن إكمال تكييف المدارس الحكومية بدلاً من إكمال الإجلاس! عندما زار الأمين العام لاتحاد المدارس الخاصة في مايو الماضي جمهورية مصر العربية للمشاركة في تأسيس الاتحاد العربي للتعليم الخاص وجد أن التعليم الخاص في مصر يستوعب (8) ملايين تلميذ أي ما يعادل (10%) من السكان! وفي الأردن يستوعب (25%) أما هنا في السودان فما زلنا بعيدين عن هذه الأرقام فهو يستوعب أقل من (1%) من السكان وأقل من (5%) من التلاميذ. والعالم المتقدم من حولنا يتقدم بكل ما هو خاص فالشركات الخاصة العملاقة هي التي تصنع العولمة وتشكل السياسة ولا يخفى عليك أن البنتاغون يشتري سلاحه من القطاع الخاص، لعلمنا أننا في السودان ما زلنا بعيدين في موضع الخاص هذا وما زلنا نردد مع العباسي من أربعينيات القرن الماضي : فلو درى القوم في السودان أين هم من الشعوب قضوا حزناً وإشفاقاً جهل وفقر وأحزاب تعبث به هدت قوى الصبر إرعاداً وإبراقاً! وقولك (استطاعت هذه الحكومة صناعة جيل لا تهمه الأخلاق ولا التعليم) فهذا شيء لا علاقة له بجدلية الحكومي والخاص وأنت هنا أصبت عرض الداء وغاب عنك التشخيص السليم، ولقد كتبت في تشخيص هذا الداء أربعة مقالات سلمتها للأستاذ (نبيل غالي) للاطلاع عليها ونشرها. فالخلل الحقيقي يكمن في مدخلات العملية التعليمية والمعلم كواحد من هذه المدخلات أمامه العديد من علامات الاستفهام والتعجب، والمقررات التي تنوء بحملها كواهل التلاميذ وتجعلهم في كثير من الأحيان كالحمار يحمل أسفاراً، ونظام الامتحانات التي صرح (د. معتصم - وكيل الوزارة الاتحادية) بأنها لا تقوّم ولا تقيس! والسلم التعليمي الذي ألغى المرحلة الوسطى التي كانت تعالج فيها مشكلات سن المراهقة.. لذلك يجب أن لا نبتسر مشكلات نظامنا التعليمي في صراعات انصرافية بين الحكومي والخاص ويجب أن نوجه أنظارنا وأقلامنا إلى مكامن الوجع الحقيقي. وقولك (فحتى المعلمين تخلصوا من هيبة المعلم وتحولوا إلى مهرجين يرتدون الجلاليب والثياب الملونة والإكسسوارات لإثبات أنهم منعمون) أتفق معك في أن المعلم يجب أن يكون وقوراً في ملبسه وكلامه لكن أختلف معك في إقحام “الجلاليب” في الموضوع فالجلابية زينا القومي الذي نعتز به كثيراً ويتناسب مع طقسنا الحار - أنا شخصياً من الذين ارتدوا الجلابية والعمامة من الصف الأول الابتدائي لأنها كانت اليونيفورم الرسمي للتلاميذ منتصف الستينيات! وما زلت أرتديها إلى الآن ولا أعتقد أنها تدل على نعمة أو زوالها إلا من خلال الفهم الصوفي اللطيف. فاصل ونواصل! الأستاذ حسن احمد علي طه رئيس اتحاد المدارس الخاصة