يبدو أن ملامح الخريطة السياسية في الداخل والخارج قد بدأت تتشكل في الأفق القريب والمشهد السياسي الذي بدأ يلوح، وذلك على منهج الوفاق الوطني والإجماع والتلاقي السياسي، هكذا تبدو الصورة أكثر وضوحاً في غالب الحراك الذي يدور الآن والذي لم يتبلور في صوره النهائية، والكل لا يزال يرقب في أن يترجم هذا الحراك لتقترب التجربة السياسية المقبلة من عمر السودان ويكتمل شكلها، فهل تتحق الأرضية المشتركة بين أهل الحكم وبعض كبار أهل المعارضة، وفي الوقت الذي لم تفصح فيه لجان الحوار واللجان المشتركة بين أحزاب الوطني والأمة والاتحادي يدور همس كثير هنا وأسئلة لا تزال تحتاج لإجابة من الشأن الحزبي.. توجهنا بعلامات الاستفهام هذه للقيادي بحزب الأمة جناح (التيار) المهندس موسى آدم مادبو لتلمس موقفهم مما يدور فسألناه: { ماذا تقولون في المشهد السياسي السوداني الآن وأنتم كتيار هل غائبون أم موجودون؟ نحن في التيار العام ما زلنا في حزب الأمة القومي وكل القضايا نهتم بها ونقدم آراءنا فيها، وأحياناً قد نختلف مع حزب الأمة في بعض القضايا المطروحة في الإطار العام، ولكن نعتقد أن الظروف التي يمر بها السودان هي ظروف صعبة جداً وعليه إذا لم تتخذ الحكومة قرارات وفاقية مع كل القوى السياسية فلن يكون هناك استقرار، وإذا ما أخذنا قضية دارفور مثلاً فنجد أن الاتفاق الذي تم في الدوحة مشكلته الاساسية هي أن من يحملون السلاح غير موافقين عليه، وكذلك غالبية القوى السياسية من أحزاب أمة واتحادي ديمقراطي وحزب شيوعي، لذلك فإن الاتفاق الذي تم لن يحل أزمة دارفور. { أحد الموقعين الأساسيين الكبار على وثيقة سلام الدوحة كان هو التجاني السيسي فهل ورود اسم هذا الرجل سيضع موقف حزب الأمة في حرج من حيث الاتفاق باعتبار أن التجاني السيسي هو محسوب على حزب الأمة في السابق وكان أحد القيادات الشابة فيه؟ صحيح التجاني السيسي محسوب على حزب الأمة وهو حاكم لدارفور الكبرى سابقاً، ولكن في الظروف الحالية لا علاقة له بحزب الأمة، وربما يكون متعاطفاً مع حزب الأمة ولكن هذا لن يغير من تداعيات الأمور ومستجداتها في شيء، ومنذ فترة طويلة انقطعت صلاته بحزب الأمة، فالحزب مازال رافضاً للاتفاقية وله تحفظات عديدة عليها، والصادق المهدي أعلن ذلك أكثر من مرة. { إذن فإن الانتماء السياسي السابق للتجاني السيسي لن يضع حزب الأمة في حرج من حيث الموقف من الاتفاقية أليس كذلك؟ بالتأكيد لن يضعه في حرج تجاه رأيه في الاتفاقية، وهذا الموقف ينطبق على أي شخص وليس التجاني السيسي فقط فالحزب معارض لهذه الاتفاقية معارضة أساسية، وغير مشكلة دارفور فهناك التوترات والمشاكل مع الجنوب وجبال النوبة ولذلك فإن الظروف في السودان هي ظروف صعبة جداً. { إذن ما العمل في رأيك؟ حقيقة كما ذكرت الدولة من الضروري جداً أن تتخذ قرارات أساسية وأن لا تراعي مصلحة حزبها، وهنا لا بد من فتح اتفاقية الدوحة للقوى السياسية لإحداث الإضافات، وكذلك في قضية جنوب كردفان لا بد من إشراك القوى السياسية في إطار المشورة الشعبية، وأهم من ذلك كله هو المضي قدماً في التحول الديمقراطي من خلال الاتفاق مع القوى السياسية، فإذا تمت هذه الأشياء حينها يتحقق الاستقرار للسودان. { في آخر حديث للصادق المهدي حول المشاركة في الحكومة ذات القاعدة العريضة قال لن نشارك إلا بعد أن يقتسم معنا أهل الحكم كل شيء، بما في ذلك (المطايب) ما قولك هنا؟ الصادق المهدي ليس له موقف ثابت، فهو تحدث في السابق عن خيارين له؛ إما الانضمام للذين يريدون الإطاحة بالحكومة أو اعتزال العمل السياسي، فلم يفعل شيئاً في الخيارين المطروحين من جانبه، ومن ثم بدأ يتحدث عن تغيير الحكم من خلال المشاركة والانضمام إليه، فهو كما قلت ليس له موقف ثابت، وفي تقديري الشخصي أنه إذا قدمت له «المطايب» فسيشارك، مع العلم أن الآخرين لا يتحدثون عن «المطايب»، بل عن التحوّل الديمقراطي، فالحديث عن المشاركة عبر «المطايب» هو كلام غير مقبول بالنسبة لقواعد حزب الأمة ولا لكوادره، فجميع كوادر حزب الأمة هي غير جارية وراء السلطة بقدر ما يهمها المضي قدماً في التحوّل الديمقراطي، ولكن مع كل ذلك نقول إن الإنقاذ إن أقدمت بشيء من المرونة تستطيع أن تشرك معها الآخرين خاصة حزب الأمة والاتحادي الديمقراطي الأصل، حتى يتحمل الجميع مسؤولية بناء السودان والتصدي للمشكلات. { أنتم أين تقعون من كل هذا؟ نحن في التيار العام نعتقد أننا لم توجه لنا الدعوة للمشاركة في السلطة وليست لنا رغبة في «المطايب» ولا المطامع، لا في السلطة ولا في المال، فما يهمنا الآن هو التحوّل الديمقراطي وما يهمنا الآن هو حل أزمات السودان، فإذا تمت الدعوة لإقامة مؤتمرات لحل قضايا السودان فنحن لا مانع لدينا من المساهمة والمشاركة بدون سلطة وبدون «مطايب»، وأعتقد أن هذا يجب أن يكون هو الاتجاه، وحتى الأحزاب الكبيرة هذه يجب أن لا تكون مدعوة فقط في اقتسام سلطة ومال، بل يجب أن يكون إسهامها ودورها واضحاً في عمل مؤتمرات ولجان تضع السياسات من أجل حل مشاكل السودان ليتبناها بعد ذلك المؤتمر الوطني. { هناك أمنيات في أن تتوحد أحزاب المؤتمر الوطني وحزب الأمة والاتحادي الديمقراطي في حزب واحد في الدورة الانتخابية القادمة، كيف تنظرون لهذه الأمنية من حيث الترجمة على أرض الواقع؟ نعم بالطبع هذا المشروع لن يتحقق ولن يتم إلا بوجوب حدوث أشياء كثيرة، أولها إيمان الناس جميعاً بالديمقراطية، وثانيها إيمان الأشخاص بالإتيان للمواقع عبر الديمقراطية من خلال الانتخابات أو مؤسسات الحزب، وهذه فكرة غير واضحة وبالتالي لا أعتقد أنها ستجد القبول لا من الصادق المهدي ولا من محمد عثمان الميرغني ولا البشير، فكل له موقع يريد المحافظة عليه، ولهذا لن يقبلوا بفكرة إنتاج حزب آخر لأن كل شخص يريد أن يكون هو المسؤول، ولكن في النهاية نرى أن حزب الأمة والاتحادي الديمقراطي هو أقرب لبعضهما البعض من المؤتمر الوطني. { هناك من يطرح الحكومة القومية (أحزاب المعارضة) وهناك من يطرح الحكومة ذات القاعدة العريضة (المؤتمر الوطني)، فأين نجد الأرضية المشتركة هنا؟ هو يختلف عن طرح القوى السياسية، فالقوى السياسية (المعارضة) تتحدث عن حكومة قومية انتقالية والآخرون يتحدثون عن حكومة ذات قاعدة عريضة، وبالتالي فإذا كانت الأطراف جميعها جادة فيمكن قبول المقترحين والعمل بهما، فيمكن أن تكون هناك حكومة ذات قاعدة عريضة تسبق الحكومة القومية لتأتي تلك الفكرة عقبها، فالنظرة لمصلحة السودان وللمشاكل المحدقة تقتضي عدم الانسياق وراء والمصالح الذاتية. { من الذي تتطلعون إليه في تحقيق بعض من هذه الغايات إن لم يكن كلها من أهل المؤتمر الوطني؟ واضح أن المؤتمر بعد عقدين من الزمان ينوى إشراك الآخرين معه، ولهذا فإن دور المخضرمين في الحزب هو الذي نعوّل عليه أمثال أحمد عبدالرحمن محمد وعثمان خالد، ونعتقد أن الرئيس عمر البشير هو الأقرب الآن لتوحيد القوى السياسية ونعتقد أن السياسيين المخضرمين هم الأقرب للبشير في هذه الفكرة، عكس الآخرين من الشباب الذين يتمسكون بالسلطة. { عاد مبارك الفاضل لحضن الحزب ولكن كأنه لم يعد بعد، ما الحكاية؟ أقول هنا إن المسألة تعود لعدة أسباب، منها أن الصادق المهدي نفسه إذا كنت تريد أن تناقشه وتحاوره وتصل معه إلى نتائج فلا أمل في ذلك، لكنني أعتقد أن حزب الأمة لم يعط مبارك التقدير والإكرام الكامل، فشخص مثل مبارك كان مختلفاً مع الحزب عندما يتخذ خطوة مثل هذه كان على الحزب أن يسند إليه موقعاً كبيراً مناسباً فيه مشاركة أساسية، ولكن حتى الآن لم يسند إليه أي منصب أساسي، وواضح أنه مهمش، وسياسات الحزب هو لم يشارك فيها ولا حتى على مستوى المؤتمرات، كما أنه لا تمنح له أي فرصة للحديث في الزيارات التي يقوم بها الحزب للولايات، ولذلك أعتقد أن الطريقة التي استقبل بها حزب الأمة مبارك الفاضل هي طريقة غير صحيحة، وهذه الطريقة لا تجعل للآخرين أي رغبة في العودة للحزب مرة أخرى، لأنهم بعبرة عودة مبارك الفاضل هم سيجدون نفس المعاملة إن لم تكن أسوأ منها (معاملة الحزب لمبارك)، ولذلك نقول إن الإصلاح لم يتحقق بعد في حزب الأمة، فهم الآن (أهل الحزب) يفكرون في هيئة مركزية، وهذه الهيئة هي شكل قديم معروف وبالطبع فإن مجموعة مبارك الفاضل لم يكونوا أصلاً جزءاً منها، وبالتالي فإذا جاء حزب الأمة بهيئة مركزية أخرى فمعنى ذلك أن مبارك الفاضل لن يشارك فيها، ولذلك قلنا لهم إنه إذا كنتم تريدون توحيد الحزب بطريقة سليمة فعليكم الإقدام نحو عمل مؤتمر استثنائي، ففي هذا المؤتمر يمكن لمجموعة مبارك الفاضل الدخول، وأهل التيار العام أيضاً يمكنهم التفكير في المشاركة أيضاً وكذلك كل القوى الشابة الأخرى، إذ من هنا يتوحد الحزب، أما بالطريقة التي يسير عليها الحزب فلا أتوقع استمرارية لمبارك الفاضل في مسيرة الحزب وربما يتخذ قراراً بذلك. { ما آخر مواقف التيار العام من التلاقي الكامل مع الحزب الأم؟ حقيقة نحن مجتهدون وما زلنا ولكن «شاعرين» بأن الأمل أصبح ضعيفاً، لأن الصادق المهدي ما زال عند خطابه وحديثه السابق تجاه الآخرين مثل هؤلاء لا يساوون شيئاً وهؤلاء صفر على الشمال، فهو لازال يقف عند هذه العبارات، وبالتالي لا نتوقع أن يلاقي جهدنا وطرحنا أي قبول عند الصادق المهدي، ولكن مع الرغم من ذلك سنواصل مساعينا ومحاولاتنا، ولكن نعتقد أن الصادق المهدي إذا شارك في الحكومة فهذا سيجعل من المفاصلة بيننا وبينه حتمية وحينها سنتخذ قراراً ضده وهذا هو الاتجاه العام، أما إذا لم يشارك في الحكومة فمحاولاتنا نحو القرب من الحزب ستستمر. { بم تنصح جميع الأحزاب المشاركة في الحكومة القادمة بما في ذلك المؤتمر الوطني؟ أنصح جميع الأحزاب المشاركة في حكومة ذات قاعدة عريضة أو قومية، أياً كان الشكل، بأن يأتوا بالتكنوقراط والشباب وهذا الحديث أوجهه لكل رؤساء الأحزاب. { وماذا عن حزب المؤتمر الشعبي هنا؟ حقيقة مثلما توجهت بحديثي للبشير والصادق المهدي ومحمد عثمان الميرغني فالحديث أيضاً موجه للترابي، وأعتقد أنه جاء الزمن الذي يتوجب على الترابي أن يتفرغ فيه للبحوث والدراسات والفقه ويترك القيادة للشباب، فعلى رؤساء الأحزاب أن يتيحوا الفرصة للشباب ليتولوا قيادة الأحزاب، كما أنني أرى أن فكرة تقليص الوزارات إلى خمس عشرة وزارة هي فكرة سليمة مائة بالمائة.