عندما ظهرت الأغنية الشعبية الأشهر (أنا الفي الدنيا ما مرتاح.. أرحل جوه في عينيك ويتبدل شقاي أفراح) حفظها الناس جميعاً وألفوا حولها العديد من النكات والقفشات ومازالوا. غير أن الواقع المعاش قبيل حلول شهر رمضان المعظّم يصرّ على أن يجعل من هذه الأغنية شعاراً لكل مواطن أو «سلاماً جمهورياً» إن لم يجانبني الصواب. فقد بدأت الهيئة القومية للكهرباء أو شركة توزيع الكهرباء باسمها الجديد في اختبار تقبُّل المواطن للقطوعات منذ الآن، ففي يومين متتاليين بالثورة شمال قطع التيار وأُعيد بعد ساعات طويلة واضطررنا لأن نهاتفهم على رقمهم «المدفوع القيمة» (4848) لأكثر من مرة ونحن نستقبل السنة الحرارة اللاهبة في أجسادنا وأجساد أطفالنا حديثي الولادة والمنازل ضيقة ولا سبيل لبرندة أو راكوبة أو حتى شجرة (نيم) أو (لبخ) كبيرة يمكن اللجؤ إليها في هذه الحالة. ورفضت هيئة مياه الخرطوم أن تكون وادعة و(حنينة) فخرجت تبحث عن «الشهرة» «بغرانة» من شركة الكهرباء فقامت بقطع المياه تماماً عن مناطق واسعة من الولاية وعندما أحست بالخجل دفعت بها دون «تنقية» فأتت ممزوجة بالطين والأوحال وهتفت عالياً (يلا أشربو). ولم ينته الأمر في المصيبتين فها هي شركات الاتصالات (الموبايل) تبشرنا بضريبة القيمة المضافة على المكالمات لتأخذ على عبارة (والله جاي بكرة) مالاً جزيلاً عبر الهاتف السيار. قبل ذلك ارتفاع في أسعار البقالة من زيت وسكر وبقوليات ولبن وبيض و(الهازم للذات) ارتفاع أسعار اللحوم والدواجن والخضروات بصورة جنونية، فإذا بثت إذاعة أو فضائية أو حتى (MP3) من داخل وسيلة مواصلات الأغنية (أنا الفي الدنيا ما مرتاح) تنفس الناس الصعداء وإذا حاول السائق التحول عنها قبل أن تنتهي صاح الركاب جميعهم (سيبا يا أخي.. أنت مجنون»؟! ولردَّ مواطن مغلوب (يا أخي حتى الحاجات البتريحنا شوية داير تقفلها). سادتي الجالسين على كراسي إدارة شؤون البلاد في كل مرفق (أنا الفي الدنيا ما مرتاح)! وهذا بلاغ رسمي فابحثوا عن مَواطِن الخلل فوراً فإن هناك صاحب (دكان) يبيع موية الفول للغلابى بخمسين قرشاً نظير (رش) كيسين من الرغيف غير المحدد المعالم والوزن وتاريخ الصلاحية، وهناك من تمشى بين الجزارين والخضرجية حاملة (كورتها) أو (بستلتها) وهي منقبة ليرمي لها الجزار أو الخضرجي قطعة من (الشخط) أو (حبة طماطم تالفة) وهكذا حتى تقنع بما نالت وتعود لأبنائها وقد رأيتها بأم عيني بسوق خليفة بالثورة بأم درمان. أخرجونا سادتي الأجلاء يا ولاة أمورنا من مسلسل الحاجة غير محدد الحلقات هذا، فبلادنا غنية بكل شيء فقط قرار إداري شجاع يعيد الأمور إلى نصابها وأختم مرافعتي.. سلام سودان سلام شوق الفريق قام بيَّ بركيبك تخين ومرارة فوق الشية والشاي المنعنع موزونة إيدك ريا يا وجع الظروف خلتني أبكي أحيا! ٭ (البركيب هو اللبن الرايب) ببكي وبنوِّح وبصيِّح..للشوفتِن بتريِّح