يتجول نائب الأمين العام للمؤتمر الشعبي علي الحاج بعد أكثر من (20) عاماً في شوارع العاصمة المصرية القاهرة، وهو يحمل جواز سفر ألمانياً بعد رفض السفارة السودانية منحه جواز بلده - بحسب ما قال. يرتدي قميصاً «نص كم» ويزحف البياض على شعره الأسود بعد أن أمسك بملفات عدة ومهمة منذ تسلم الحركة الإسلامية للسلطة، ويبدو غير مبال بالاتهامات التي طالته..!! ما يزال شاباً وملماً بتفاصيل الأحداث، ويتذكر التواريخ والمواقف السياسية بذاكرة مدهشة. يكشف ل(الأهرام اليوم) في حوارها معه عن اجتماع عاصف لقيادات الحركة والدولة في مكتب وزير رئاسة مجلس الوزراء عوض الجاز في العام 1993 لمواجهته بخصوص مطلب علي الحاج بوقف إطلاق النار بعد أن حسمت القوات المسلحة المعركة لصالحها في جنوب السودان، وسيطرت على كل المدن ما عدا نمولي. يتذكر التفاصيل ويحكي عن أكبر الأخطاء السياسية التي وقعت فيها الحركة الإسلامية ولم تتخذ منها موقفاً قوياً وواضحاً. تقبل الاتهامات وأيد ما جاء في الكتاب الأسود وأطلق ضحكة عالية وهو يرد على الأسئلة وكانت هذه إجاباته: { لنبدأ من المنتهى.. بعد (18) عاماً كيف وجدت القاهرة؟ - آخر زيارة لي إلى القاهرة كانت في العام 1993، وأهم شيء لمحناه في زيارتنا إلى القاهرة هو قيام الثورة المصرية، التي غيرت نظام الرئيس حسني مبارك، وهذا حدث كبير جداً، وفتحت باباً جديداً بنهاية طغيان مبارك وهو أشبه بغرق فرعون - قالها ثم ضحك ضحكة عميقة - ووجدت القاهرة شيئاً مختلفاً تماماً، كانت هناك قبضة أمنية، قوات الشرطة موجودة في الشوارع والمظاهر الأمنية ظاهرة في كل شيء، والآن أتيت إلى القاهرة وذهبت إلى أماكن شعبية وإلى الأسواق ولم أجد قوات الشرطة، هناك تغيير كامل وارتياح لدى الشعب المصري، والذي استغرب له هو أن الشعب من يقوم بحفظ النظام في مصر. وهذا تغيير كبير وهذا ما نريده في السودان أيضاً. { ما هدف الزيارة يومها؟ - جئت في اجتماع لمنظمة الوحدة الأفريقية وكان اجتماعاً رسمياً قصيراً، وبعد الاجتماع مكثت لمدة أسبوع. { خرجت من الخرطوم قبل 10 سنوات ولم تعد حتى الآن، لقد طال غيابك؟ - أول شيء أنني خرجت من الخرطوم عبر المطار في 11 فبراير 2001 إلى سوريا عبر الطائرة السورية، وكانت وجهتي الأردن ثم العراق وإيران ثم تركيا، وعندما كنت في الأردن حدث توقيع على مذكرة التفاهم بين المؤتمر الشعبي والحركة الشعبية في جنيف وكنت متابعاً للمذكرة، وعندئذ قامت «قيامة» الحكومة وفعل بإخواننا وحزبنا ما فعل، ومنذ ذلك الوقت لم أعد إلى السودان، وقد نصحني إخواني في السودان بألا أحضر وكان معي الأخوان إبراهيم السنوسي ويس عمر الإمام، وتطاول الأمر وأصبح قناعة عندي نسبة للظروف الموجودة في السودان، هذا ما حدث، وكان خروجي لمدة شهر فقط ثم أعود إلى السودان لأن أسرتي كانت تعد لزواج بنتي لكن شاءت إرادة الله ذلك. { هناك مبادرة للإخوان المسلمين في مصر لعقد لقاء بين الشيخ الترابي وعلي عثمان في القاهرة بهدف طي الخلافات؟ - لا أحسب ذلك وأستبعده تماماً، وأعتقد إذا كان شيء يتم مع علي عثمان فسيتم في الخرطوم لأن علي عثمان أقرب إلى الترابي وأقرب إلى السلطة، ولكن كل ذلك تخرصات، لا أعتقد أن هناك شيئاً من هذا القبيل سيحدث وليس هناك شيء مرتب. وأنا لم أكن أعلم بزيارة علي عثمان إلا عندما جئت إلى القاهرة، وعلمت أن هناك وفداً كبيراً لترتيب زيارة علي عثمان ولكن لا أحسب أن الأمر يحتاج إلى ذلك، وأعتقد أن هذا الوفد بغرض التجسس على نشاط المؤتمر الشعبي في القاهرة. { لماذا لا تعود إلى الخرطوم؟ ألم تنتف الأسباب بعد؟ - الأسباب ما زالت قائمة، عشان ما في حريات، وأنا عندما أتكلم بأنه ليست هناك حريات فأنا لا أتكلم عن حريات لي، ومعظم الناس الذين دخلوا إلى السودان من خلال كل الاتفاقيات التي تم التوقيع عليها، وعلى أرض الواقع لم يحدث تغيير للقانون، والحريات التي كانت متاحة للحركة الشعبية باعتبارها الشريك الأضعف بنسبة 28 %، وحريات محدودة للتجمع، ومع كل ذلك لم يحدث شيء، لم يتم تغيير القوانين، ولذلك فالقوانين نفسها طالت أعضاء الحركة الشعبية والتجمع، وما زالت موجودة حتى اليوم. { أنت تعتقد أن هناك من قيادات المؤتمر الوطني من يريد تصفية حسابات سياسية معك، لذلك لا تريد أن تعود؟ - ليس هناك مؤتمر وطني، والحديث عنه ليس دقيقاً، هو مثل الاتحاد الاشتراكي مؤتمر حكومة، وكما ظهر فإن القيادة للفرد إذا قال رأياً لا ينقض ولا أحد يعقب عليه إلا إذا أراد هو أن يفعل ذلك، هذا هو المؤتمر الوطني ومن يعتقد أن هناك حزباً حاكماً فتلك ليست حقيقة، وهناك قبضة أمنية في الخرطوم وبالقانون يمكن أن تعتقل لمدة شهرين من دون أن يسألك أحد، هكذا فعل بشيخنا حسن الترابي وقيادتنا. { الترابي يحتاج إليك في الخرطوم لكثير من المهام ومن ضمنها ملف دارفور؟ - دكتور الترابي ما محتاج، هو نفسه ومن حوله لا يحتاجون إلى علي الحاج، ومن برة أساعد وفي داخل السودان أنا ممثل خير تمثيل، وليس هناك ملف اسمه دارفور في المؤتمر الشعبي، ليست هناك قضية اسمها دارفور القضية في الخرطوم وليست هناك قضية اسمها الجنوب القضية في الخرطوم، وليست هناك قضية اسمها أبيي أو جنوب كردفان أو شرق السودان وكجبار والحماداب القضية في الخرطوم، وما لم تعالج القبضة الأمنية والمركزية القابضة في الخرطوم فلن تحل مشاكل السودان العالقة كلها. { أنت متهم بأنك مهندس العلاقة بين المؤتمر الشعبي وحركة العدل والمساواة؟ - لست مهندساً، هذه تخرصات، وحديث لا أساس له من الصحة ولا قيمة له. { ما السبب في استهدافك دائماً بحملات في الصحف؟ - لا أدري. أنا أقول آرائي ومن هم في السلطة يعرفونها، كانت لي آراء حول الجنوب يا ريت إذا اتبعوها، وهي ليست آرائي الشخصية وإنما آراء الحركة الإسلامية يا ريت إذا اتبعوها. { هناك أصوات تطالب بحق تقرير المصير مثلما ناله الجنوب، هل يمكن أن يرتفع هذا الصوت في دارفور؟ - نعم يمكن أن تذهب دارفور مثلما ذهب الجنوب، ويمكن أن تذهب كل الولايات الأخرى ما لم يتغير المركز والقيادة الموجودة فيه طاردة لكل الناس. وأعتقد أن ذلك سيكون نتيجة حتمية طالما أنهم يستعجلون تقديم السيئة قبل الحسنة. وما تم بخصوص الجنوب وإسقاط الجنسية عن الجنوبيين يدل على التشفي وتصفية الحسابات وأعتقد أن تلك مأساة { تعقيدات مشكلة دارفور صارت أكبر من أن تحلها الاتفاقيات؟ - ليست هناك اتفاقيات مع حركات، المشكلة في الخرطوم أنها تقوم بتسويات على أساس أن تكون هناك وظائف. واتفاقية نيفاشا نفسها لم تحدد شيئاً، حددت وظائف فقط، المأساة الكبيرة أنها لم تحدد ماذا يحدث في التنمية لكنهم حددوا وظائف، ومشكلة دارفور ليست في الوظائف حتى إذا كان الرئيس من دارفور فليس معنى ذلك أن القضية ستحل، هذه نظرة ساذجة. { مقاطعاً له: كيف تحل مشكلة دارفور؟ - الحل لا يكون إلا إذا كانت هناك حرية، لكي يقول الناس رأيهم في الحل، وأعتقد أن القضية مركزية ولا صلة لأهل دارفور بها، وما لم تحل المشكلة المركزية في توزيع السلطة والثروة وكيف تحكم البلاد ونتفق ونتواضع على حل وتكون هناك حرية ونوع من الشفافية لا يمكن أن تحل القضية، والحرية بالنسبة لي شيء أساسي، ولا بد أن تكون هناك انتخابات حرة ونزيهة لمعرفة الأوزان السياسية ومن العسير أن تتشكل لجنة نزيهة في السودان للحل في ظل النظام الحالي، وأعتقد أنه بمثلما لدينا قوات دولية بالمثل يكون لدينا رئيس لجنة انتخابات عالمية غير سودانية طالما أن الحكومة تأتي في الدفاع «بناس من برة» وجابت إثيوبيا للحماية لأن الحكومة ضعيفة، وعشان تكون هناك انتخابات حرة ونزيهة نجيب جهة خارجية نتواضع عليها. { أنت من يقف خلف إصدار الكتاب الأسود من خلال تسريب المعلومات من ديوان الحكم الاتحادي؟ - ديوان الحكم الاتحادي به كل المعلومات، وهناك كتاب اسمه السلطة والثروة في السودان ألفه خواجي ومترجم للغة العربية به كل الإحصاءات منذ 1901م، ومن مهام الديوان أنه يقوم بعملية البحث بخصوص السلطة والثروة، وهذا الكتاب ما أسود، لأن به معلومات صحيحة، هو ليس كتاباً أسود وما عارف لماذا سموه بالكتاب الأسود، وأنا كان عملته لا أسميه بذلك بل هو كتاب كويس.. كتاب أبيض، عمل مقارنة والأرقام الموجودة فيه أفضل من أن تسمى بالكتاب الأسود. قالها ثم ضحك ضحكة عميقة. المشكلة أنهم جنحوا إلى الأشخاص وتحديد كم وزيراً من نهر النيل والمشكلة كلها ليست في الوزراء ولكن في التنمية، وهذا ليس من عملي. { أنت مقتنع بما جاء في الكتاب الأسود؟ - قطع شك، قسمة السلطة والثروة قسمة مختلة وغير عادلة، أنا مع هذا الكلام من دون تفاصيل. وأنا لا أتكلم عن وزارات وإنما أتكلم عن قسمة في كل التنمية، الصحة والتعليم والطرق وأنسبها إلى كثافة السكان. { النظام في الخرطوم قوي ولم يتأثر بالتغيير السياسي في محيطه العربي؟ - نعم، قوي من حيث الطغيان والبغي والعدوان، ومن حيث القبضة الأمنية، وهكذا كان نظام الرئيس حسني مبارك، وهكذا كان نظام فرعون وبن علي. { لكن المعارضة السودانية عاجزة عن إسقاط النظام على الرغم من الشعارات التي رفعتها؟ - أنا أتكلم عن الشعب وليس المعارضة وهو غير عاجز، ونحن عاصرنا ثورات شعبية في السودان كان الموقف مثل الظروف الحالية ولكن من حيث لا ندري قامت الثورات. أنا شخصياً أعتقد أن القوى السياسية ضعيفة وما ظاهرة وما موجودة ولكنها هي البديل للنظام الحالي. ومهما تكلمنا عن النظام الحزبي فإنه أفضل. { لقد تأخرت الثورة في السودان؟ - لكل أجل كتاب. { هل أنت نادم على قرار الحركة الإسلامية بالاستيلاء على السلطة في 1989؟ - القرار بحيثياته في ذلك الوقت كان صحيحاً ولكن بنتائجه بدون شك كان خاطئاً. بعد أن أدت النتائج إلى انفصال الجنوب وتعقد الأوضاع في جبال النوبة وجنوب كردفان ودارفور وكجبار، هذه تصرفات لا يمكن أن تخطر على قلب بشر. { أنت أحد الملمين بتفاصيل المفاوضات مع الحركة الشعبية، لماذا جنحت قياداتها للانفصال؟ وماذا عن حق تقرير المصير الذي وقعته مع لام أكول؟ - الجنوبيون لم ينفصلوا، لقد طردوا، انظر لكتابات خال الرئيس في الصحيفة التي يملكها وهو عضو في المؤتمر الوطني، ومعظم الناس لم يقرأوا اتفاقية فرانكفورت، وناس الحكومة نفسهم الذين ذهبوا إلى نيفاشا لم يقرأوا الاتفاق وهو موجود عندهم، وأعتقد أنهم وحدويون وفي فرانكفورت قلنا نحن لا نريد أن نتكلم نظرياً «نحن القاعدين ديل بنمثل شنو، لام أكول وكستيلو وبقية الناس، فردوا بأنهم وحدويون». نحن لم نتكلم مع ناس ما وحدويين، ولكن عشان نحقق الوحدة نريد كذا وكذا وكذا، ولم نتكلم عن مناصب وكنا نتكلم عن الوحدة وكيف يمكن أن نأتي بها من خلال الطرق والكهرباء والتعليم ووضعنا لذلك فترة انتقالية 20 عاماً حتى أن تيلار خرج غاضباً وقال إن لام أكول ووفده باعوا القضية لناس علي الحاج. هذا في فرانكفورت ولكن هؤلاء لا يقرأون، وهذا الاتفاق كان أكبر من قصة تقرير المصير، وهم الآن عايزين يقولوا إنه جاء به علي الحاج، «طيب ما كان تلغوه، هل كلام علي الحاج قرآن؟». { موقف وقرار ندمت عليه في مسيرة عملك السياسي وتبينت أنك كنت مخطئاً؟ - أعتقد أننا تباطأنا في موضوع السلام، لأنني من دعاة وقف إطلاق النار منذ فبراير 1993 بعدما التقيت جون قرنق في عنتيبي، وفي ذلك الوقت حررنا كل الجنوب ما عدا نمولي، وكان رأيي الذي يشهد عليه البشير وعلي عثمان والترابي وكلهم أن يحصل وقف لإطلاق النار لأن الحرب انتهت وكان يقف معي الرئيس البشير وعلي عثمان في هذا الرأي قبل الاجتماع، وعندما دخلنا الاجتماع رفض العساكر وقف إطلاق النار، وهذا من أكبر الأخطاء، كان من المفترض أن نتخذ القرار السياسي بوقف إطلاق النار. ونحن سمعنا كلام العساكر والرئيس لم يمشي برأيي، وعلي عثمان موقفه «كده كده» وهذه الواقعة حدثت في رمضان 1993 وجئت بعد شهر وطرحت نفس الشيء وهنا غير علي عثمان رأيه بعد أن كان يقف مع السلام، هذا من الأخطاء الكبيرة لم يكن لي من حيلة ماذا أفعل؟ وفي عام 1994 كان هناك اجتماع كبير جداً في مكتب عوض الجاز برئاسة مجلس الوزراء أثناء مفاوضات الإيقاد، كان كل الحضور لا يريدون وقف إطلاق النار ويريدون أن يقاتلوا، ولم أكن أعلم بهذا الاجتماع وأبلغني به نائب الأمين العام علي عثمان وقال لي إنهم يريدونني في مكتب عوض الجاز وكان هذا الاجتماع يوم الأحد 31 يوليو 1994م، وكان كل الناس موجودين وكراسي ما في ليجلسوا عليها وجالسين على التراب بعضهم. وكان الغائبون عن هذا الاجتماع فقط شيخ حسن والرئيس والزبير محمد صالح ومحمد الأمين خليفة وعلي عثمان. وكان صوتهم الواضح لماذا طالبت بوقف إطلاق النار؟ ونحن تباطأنا في الحكم الاتحادي وكان يمكن أن نطبقه بعد أن صدر قراره في العام 1991 وتم تعيينني كوزير بديوان الحكم الاتحادي في 1993 وأنا عدت من القاهرة بهذه المناسبة في أغسطس 1993 ووجدت القرار الذي تأخر كل هذا الوقت ولم يكن بيدي شيء أفعله، وهناك نقطة أخرى أننا كنا مصرين على أن تكون عاصمة السودان في بانتيو وطرحنا هذا الكلام لشيخ حسن والرئيس البشير في عام 1993، واقترحنا بعد تقسيم الولايات نمشي نقعد في الجنوب وقلت ليهم: «قاعدين في الخرطوم تسووا شنو؟» واقترحنا أن تكون هناك مصفاة في الجنوب، هذه من الأشياء التي لم تكن بيدي. { لديك خلافات شخصية مع علي عثمان نائب الرئيس؟ - ليس هناك أي خلاف مع علي عثمان وكنت أتعامل معه بسلاسة وهذه أول مرة أقول هذا الكلام في أبوجا الأولى 1992م، علي عثمان بصفته نائب الأمين العام دعاني في بيته وقال لي: «بكرة الوفد ماشي برئاسة محمد الأمين ولكن أنت المسؤول الأول وأنت المسؤول عن هذا الملف» وعندما تم تعيينه نائباً أول للرئيس أنا أول واحد ذهبت إليه في الخارجية وتحدثت معه وباركت له، وعلاقتي معه بعد الانقسام كويسة وعندما وقع له حادث في السعودية قبل 4 سنوات اتصلت به وكان رئيس لجنة طريق الإنقاذ الغربي ولم يهاجمني بأي شيء.