حقائق التاريخ تؤكد أن نشأة الحركة الإسلامية السودانية بدأت بتكوين (حركة التحرير الإسلامي) التي تعتبر نواة الحركة الإسلامية الحديثة بالسودان وكان ذلك في أواخر عام 1949م، وقد أدت العلاقة بينها و(جماعة الإخوان المسلمين) في مصر إلى انشقاق في صفوف الحركة الإسلامية تم حسمه في مؤتمر جامع عقد في عام 1954م، بعدها نشأ تحالف بين الإخوان وعدد من الهيئات والجماعات الإسلامية ما أدى إلى تأسيس (الجبهة الإسلامية للدستور) في أواخر عام 1954م، وبعد ثورة أكتوبر 1964م برزت الحركة الإسلامية باسم (جبهة الميثاق الإسلامي). بعد سقوط نظام مايو ظهرت الجبهة الإسلامية القومية، كتطور طبيعي للمجموعة، وبحلول الثلاثين من يونيو 1989م وصلت الجبهة إلى السلطة تحت مسمى ثورة الإنقاذ الوطني بعد نجاح التحرك العسكري الذي قاده العميد الركن وقتها عمر حسن أحمد البشير. المجموعة التي نفذت الانقلاب بدا ارتباطها وثيقاً ببرنامج الحركة الإسلامية السودانية، وفي بدايتها أطلقت على توجهها العديد من المسميات مثل المشروع الحضاري، أو مشروع النهضة الحضارية الشاملة، أو النموذج الإسلامي في السودان. الآن وبعد مرور (12) عاما على مفاصلة الإسلاميين فإن السؤال الأبرز ما هو حال المشروع الإسلامي في السودان؟ وما هي أبرز الانتقادات التي وجهت له؟ وما هي التطورات المستقبلية للمشروع الذي طرحته الإنقاذ عند مجيئها للسلطة؟ الحركة الإسلامية السودانية رأت في مشروعها أنه يمثل بديلا واعداً ينطوي على مطامح كبيرة بجانب الديمقراطية وإحياء المجتمع المدني، والإسهام في ترسيخ رؤية إنسانية تمزج بين المشروع الخاص وروح الجماعة والضمانات الاجتماعية، ويخاطب العالم الإسلامي برمته من (طنجة المغربية إلى جاكرتا الإندونيسية) ويتوعد المعسكر الاشتراكي الشرقي والرأسمالي الغربي. المشروع مثل محاولة للعودة إلى الأصالة والاستقلال، واستند عرّابوه إلى أن السودان قبل الإنقاذ وقع ضحية التبعية للغرب، بالإضافة إلى التبعية الطائفية. وبخصوص حال المشروع الحضاري وما آل اليه بعد مرور (22) عاما قال الدكتور حيدر إبراهيم علي في حديث سابق له مع (الأهرام اليوم) إن المشروع الحضاري فشل بنسبة 100%، موضحا أن المشروع الحضاري سقط عندما قال الترابي إنه ذهب إلى سجن كوبر والبشير ذهب إلى القصر، وأضاف أن أية سلطة تبدأ بخدعة وبكذبة تستمر تكذب. ولتصحيح تجربة الإسلاميين يرى حيدر إبراهيم أنهم يحتاجون أن يقدموا نقدا ذاتيا حقيقيا صادقا وليس تبريريا، أما حول إمكانية وحدتهم مجدداً فقد قال حيدر: صعب جدا وخصوصا في السودان لأن خلافهم حول السلطة وليس حول الفكرة، وخلاف السلطة هذا استخرجوا فيه الخناجر وليست الأفكار، مضيفاً: «هؤلاء لا يقدمون نقدا لأنفسهم بل يقومون بعملية تصفية حسابات» لذلك صعب أن يتوحدوا». فيما عزا بعض المراقبون أن الفشل الذي حاق بالمشروع يمكن التأريخ له بتوقيع اتفاقية السلام الشامل التي قادت في نهايتها إلى انفصال الجنوب، ويؤكد هؤلاء أن بقايا المشروع الحضاري دفنت في غابات (نيفاشا) الكينية..!! من جهته يرى القيادي بالمؤتمر الشعبي د. المحبوب عبد السلام في هذا المنحى أن الصراع بين الإسلاميين لم يكن سياسيا بل كان صراعا حول قضايا، وأن الاختلاف هو على أصول في ظاهرها تبدو كأنها قضايا سياسية لكن هي أصول فكرية وإستراتيجية، فضلا عن الاختلاف على قضية الحريات العامة والالتزام بالعهود والمواثيق وعلى رأسها العهد العام وهو دستور البلاد والاتفاقيات المترتبة عليه، علاوة على الاختلاف على قضية بسط السلطة وقضية الحكم اللامركزي واعتبر هذا هو التبلور الأخير للخلاف، وأضاف قائلاً: «هناك خلل في المنطلقات المتعلقة بالحركة الإسلامية في السودان والمنطلقات لم تكن فكرية محضة والفكر كان مضيعا لحد كبير في الحركة الإسلامية» موضحا أن الصراع داخل الحركة الإسلامية عندما بدأ تبلور بين حاكمية الدولة وحاكمية الحركة ثم تبلور مرة ثانية في قضية الحريات في عام 1996م وكان السؤال هل تحكم الحركة أم تحكم الدولة بتوجيه من الحركة؟ وداخل جهاز الشورى قلب الخيار الذي اختار أن الحركة هي التي تحكم، ويؤكد المحبوب أن مذكرة العشرة هي الحجر الأساسي الذي قسم الإسلاميين وكل ما يحدث اليوم من قسمة الإسلاميين ومن الفضيحة التي حدثت للحركة الإسلامية كل هذا سببه الذين وقعوا مذكرة العشرة، ويرى المحبوب أن الإسلاميين هزموا مشروعهم بأنفسهم عندما ارتدوا على الدستور والحريات وارتدوا على الحكم اللامركزي ومضى قائلا: «الإسلاميون كسبوا الدنيا بنفوس منكسرة وخسروا الآخرة ولم تطب لهم الدنيا وكل يوم هم في مشكلة». وحول إمكانية وحدة الإسلاميين يقول المحبوب إن مشكلتنا مع المؤتمر الوطني في كلمة واحدة هي (الحرية) ولا توجد مشكلة خاصة بيننا وبين المؤتمر الوطني. إذن وفي ذكرى الرابع من رمضان؛ وبعد مرور (12) عاما على مفاصلة الإسلاميين الشهيرة، وبعملية جرد سريعة للمحصلة ومآلات الأوضاع على الساحة السياسية الاجتماعية، هل يصح إطلاق التساؤل: لماذا فشل مشروع الإسلاميين الحضاري؟