صمدت الهيئة القومية للمواصفات والمقاييس هذا العام في مواجهة كافة الانتقادات التي واجهتها الفترة الماضية من بضاعة ترد إلينا خاسرة، لا تفيدنا كمستهلكين بل وتزيد بضررها الراسخ في أجسامنا وعقولنا وجيوبنا. وصمودها بدا في تنازلها إلى مستوى الحدث بالتوعية، وهذا شيء لا يحب المسؤولون فعله، لكنهم يبرعون في المحاسبة. فقامت بصناعة إعلان توعوي في ما يتعلق بلعب الأطفال والأخطار التي يمكن أن تترتب عليها (كالمفرقعات).. من خلال شخصية كريكاتورية لتقريب التوعية للطفل أكثر من أسرته. ما أسرني بشكل خاص في أمر الإعلان أنه خطوة متقدمة في طريقة تفكير الإدارة المتنفذة في هيئة المواصفات والمقاييس، لتعيين طريقة لحماية المستهلك، بشكل حقيقي وليس ما نقرأه عبر التوضيحات والبيانات الرسمية. فالإعلان رغم بساطته، ومفاجأته عبر كمية صناديق الشاي التي نشربها يومياً من الإعلانات التلفزيونية! فإنه يحقق واحداً من شروط الولاية الرشيدة أو الراشدة التي تقوم بالتوعية والتثقيف العلمي عبر الوسائل الطبيعية والأقرب إلى المواطن للوصول إلى مجتمع مثقف مجتمعياً واستهلاكياً؛ يعرف حقوقه ويراعي واجباته، وهي في الأصل تحقق كذلك طريقة جيدة للتطور والتطوير والتنمية والإنماء، بالمشاركة بين المواطن وولاة الأمر. إن أمر الألعاب الخطيرة التي قامت ذات نهار الزميلة (نهال خالد) بالتحقيق فيها وشَفَفْتُ ذات عمود مادته منها لغرض في نفسي، أحسه قد بدأ يقضى بافتتاحية الإعلان هذا. هو أمر نحتاج أن نتحدث عنه أكثر ويقول فيه المسؤولون قولاً فصلاً، لا يقبل القسمة على تاجر صديق أو مستورد حديد! فهو يتعلق مباشرة بحياة الأطفال وصحتهم وهم بالطبع مستقبل هذا البلد. فإذا تمّ إهمال هذا لصالح إدخال أموال إلى الجيوب، فإننا نخسر كل شيء، حتى تلك الأموال! لهذا فإن خطوة إنتاج إعلان توعوي يستخدم الرسوم المتحركة التي يحبها الأطفال ولإدخال التثقيف الأمني والسلامة الصحية داخله تعد كبيرة جداً وواسعة لحد أن نصفق لهم بلا نفاق. ما تنفقه الإدارات والهيئات على برامج الوداع والاستقبال والموائد المفتوحة والبذخ الإداري تحت بند كل ذاك وأكثر منه، يمكن أن يسد في كل الجهات، ثغرة التوعية المفتقدة في ثقافتنا، فنحن لا نمارس حق التعلم بما يجب، وهذا الجهل لا يغفر لنا ذنوبا قادمة فتتم معاقبتنا إما قانونياً أو إنسانياً. فلو صرفت كل هيئة خدمية جزءا يسيرا من ميزانية الدعوات وغداءات العمل وإعلانات التهنئة بعيد الإنقاذ والولاية الثانية والثالثة... إلخ، والفوز في الدوري الممتاز والعمرة والحج! على إعلانات التوعية والأفلام التثقيفية القصيرة والشرائح مميزة الأحاديث وذكية التعابير، لأحدثت تغييراً ممتازاً في طرائق تعامل الجمهور معها ومع الخدمات التي تقدمها، بل وربما غيّرت من سلوك مجتمعي سيئ إلى آخر جيد - فكرة سلّة المهملات أو ملصقات أفشوا السلام بينكم مع شخص مبتسم! إن السمة التي نحب أن تكون عالية ولا يعلى عليها في الجمهورية الثانية هي الرشاد في فعل الحكم - وليس الحكومة - بأن تكون الخدمة المدنية مغلفة بطعم حلو لا يعض علينا بالفظاظة. وأن تكون التوعية أساس الجهات الخدمية وليست الجباية والقساوة القانونية، أن يجمعنا إطار جميل لصورة متوقعة بعد - كم سنة - لأسرة سودانية مميزة يلعب أطفالها آمنين داخل وخارج البيوت، وخلفها شعار هيئة المواصفات والمقاييس يقول المستهلك أولاً!!