كانت النظم الملكية في العالم العربي في مأمن أو شبه مأمن من الربيع العربي الذي هبت نسائمه عنيفة! على جمهوريات عربية هي تونس ومصر وليبيا وسوريا واليمن وكان تأثيره أي الربيع العربي كبيراً للغاية تمثل في الإطاحة بالرئيسين التونسي زين العابدين بن علي والمصري محمد حسني مبارك وفي ليبيا دخل الثوار العاصمة طرابلس واقتربوا من مقر الرئيس معمر القذافي وفي سوريا تتواصل الاحتجاجات الشعبية اليومية منذ مارس الماضي وربما كان النظام السوري يحارب معركته الأخيرة.. وفي اليمن فإن الأوضاع مفضية حتماً إلى تغيير جذري لن يكون في صالح الرئيس علي عبدالله صالح الذي تعرض لمحاولة اغتيال يونيو الماضي في المسجد الرئاسي عند صلاة الجمعة. لقد اقتصرت هذه التغييرات الكبيرة المزلزلة على النظم الجمهوري وظلت النظم الملكية في مأمن من الربيع وعواصفه مع استثناءات قليلة من المملكة الأردنية الهاشمية والمملكة المغربية ومملكة البحرين لكن ما حدث في هذه الممالك من احتجاجات وتظاهرات ومطالبات لم يرق إلى ما جرى في الجمهوريات العربية ولم تترتب عليه تغييرات في طبيعة نظم الحكم ولا في توجهاتها العامة مع بقاء الملوك عبدالله الثاني في الأردن والحسن الثاني في المغرب وخليفة في البحرين في مواقعهم ولا يبدو في الأفق أي احتمال لتنحيهم عن الحكم. واستنتج البعض من ذلك رسوخ النظم الملكية وصلابتها.. وهشاشة النظم الجمهورية وقد يكون ذلك صحيحاً إلى حد ما لكن الناس يختلفون في تحديد أو تسمية أسباب الصلابة الملكية والهشاشة الجمهورية. والنظام الجمهوري في هذه المنطقة من العالم أحدث من النظام الملكي وهو بصفة عامة أحدث من النظام الملكي في سائر أنحاء العالم.. وهو في حالة تطبيقه كما ينبغي أكثر ديمقراطية وأكثر قابلية لتوفير الحد الأدنى من حقوق الإنسان وكرامته، لكن ذلك لا يحدث في كل الأوقات ولا في كل الأوطان وكثيراً ما رأينا ملكيات تتوافر فيها الديمقراطية وحقوق الإنسان وتصان فيها كرامته مما لا مثيل له أو لجزء يسير منه في كثير من النظم الجمهورية. وكانت سوريا ولبنان رائدتين في مجال الأخذ بفكرة النظام الجمهوري فقد أصبحتا جمهوريتين في النصف الأول من القرن العشرين.. وجاءت مصر في المركز الثالث، إذ أخذت بالنظام الجمهوري بعد ثورة يوليو 1952.. ثم السودان وتونس اللذان حققا استقلالهما عام 1956م وأصبحا جمهوريتين.. ثم أصبح العراق جمهورية بعد يوليو 1958م وكان مملكة قبل هذا التاريخ.. وشهد عام 1962م مولد جمهوريتين عربيتين هما اليمن والجزائر.. وبينما أصبح اليمن جمهورية بانقلاب عسكري فإن الجزائر أصبحت جمهورية بعد كفاح مسلح جليل بهر العالم قام به الشعب الجزائري ضد الاستعمار الفرنسي. ولقد أحدث الربيع العربي هزة لا تنكر في النظام الجمهوري لكنه ما زال هو الأنسب ولا يبدو أن هناك في الدول التي اجتاحها الربيع العربي وفي كل المنطقة من يدعو جاداً إلى الانتقال من النظام الجمهوري إلى النظام الملكي.