من الواضح أن النُّظم المَلَكية في العالم العربي أكثر استقراراً من النُّظم الجمهورية، ولم يهب ما يُسمى بالربيع العربي على النُّظم الملكية أو أن غشيانه لها كان سريعاً ثم تقلصت آثاره على نحو ما حدث في البحرين والأردن والمغرب وسلطنة عمان ولا يبدو في الأفلق أن هذا الربيع مُقبل على الحلول مجدداً في هذه الممالك العربية. وفي الجمهوريات التي هجم عليها الربيع العربي فإن الموقف مازال غامضاً رغم انتصار الثورتين الشعبيتين التونسية والمصرية وتمكُّنهما من الإطاحة بالرئيسيين التونسي زين العابدين بن علي والمصري محمد حسني مبارك. فمصر مازالت تتلمس دربها في ظروف بالغة الصعوبة والتعقيد فالموقف الاقتصادي حرج والاحتقان الطائفي في ذروته وانتشار الإسلام السياسي ممثلاً في قاعدته العريقة التي هي حركة الإخوان المسلمين بالإضافة إلى السلفيين يُسبب قلقاً محسوساً في دوائر دعاة الديمقراطية والدولة المدنية الذين كان لهم إسهامهم الجليل في ثورة 25 يناير. ولا يقل الوضع في سوريا تعقيداً عن الوضع المصري ومازال النظام يواجه المتظاهرين بالرصاص الحي .. وفي ليبيا وقد سيطر الثوار على نصفها ومازال في النظام الليبي بعض الرمق .. ومازال كبار المسؤولين يهربون. وفي الأخبار غير المؤكدة أن ابن العقيد القذافي محمد وزوجته الثانية صفية وابنته عائشة هربوا إلى تونس. وفي اليمن مازال الصراع محتدماً بين الثوار وبين الرئيس علي عبدالله صالح. ورغم هذه الاضطرابات التي تعانيها كثير من النُّظم الجمهورية في العالم العربي ورغم الارتدادات التي سعى بعضها إلى تطبيقها بتحويلها إلى نُظم ملكية بالأخذ بنظام توريث الحكم، وبرغم كثير من الاخفاقات في المجالات كافة، إلا أن النظام الجمهوري مازال هو الأنسب لهذه الأقطار وهو الأكثر انسجاماً مع طبيعة العصر والأكثر قبولاً لدى السواد الأعظم من هذه الشعوب. وإذا كان العصر مازال يسمح باستمرار النُّظم الملكية في العالم العربي وخارجه فإنه ليس مما يناسبه خلق أو قيام نُظم ملكية جديدة. فقد نشأ النظام الملكي عموماً في عصور أخرى مختلفة وفي ظروف لا شبيه لها في العصر الحاضر. وعلى الرغم مما يُقال من إن النُّظم الملكية في مأمن من رياح التغيير الشعبي التي حملت اسم الربيع العربي وكان تركيزها على النُّظم الجمهورية، إلا أنه لا أحد يستطيع أن يضمن استمرار الحال على ما هو عليه. فكل شيء وارد والمهم أن يكون الجميع استوعبوا الدرس وهو أنه لاخلود لأحد في منصبه وأن الشعوب هي التي حين تقرر فقد قضى الأمر.