قال لي رجل الأعمال المعروف عبدالرحمن السلاوي، وقد عمل أول شبابه صحفياً بجريدة «القبس» الكويتية وعاد إلى السودان عام 1978م ليؤسس مجلة «العربي الأفريقي» ورأس تحريرها وصدر منها عدد واحد فقط، وكان عدداً مبشراً واعداً، وممن كتبوا فيه اليساري القديم الأكاديمي المرموق الكاتب الصحفي الدكتور عبدالله علي إبراهيم، وشيخ النقاد الرياضيين العرب المصري الراحل نجيب المستكاوي. قال السلاوي إنه سافر إلى ليبيا منتصف السبعينيات ممثلاً لجريدة «القبس» الكويتية، وكان هناك من السودانيين الأستاذ عثمان عقيلي عن جريدة الصحافة، وكان هناك وفد سوداني رسمي يقوده الرائد أبو القاسم محمد إبراهيم النائب الأول لرئيس الجمهورية، ويضم الأستاذين أبيل ألير نائب الرئيس ورئيس المجلس التنفيذي العالي للإقليم الجنوبي وبونا ملوال وزير الثقافة والإعلام، وبينما كان الوفد ينتظر مقابلة الرئيس معمر القذافي، جاء المقدم أبو بكر يونس جابر، عضو مجلس قيادة الثورة ووزير الدفاع، ثم خرج مصطحباً الرائد أبو القاسم محمد إبراهيم، وبمجرد خروج الرجلين طُلب من الأستاذين أبيل ألير وبونا ملوال التوجه لمقابلة العقيد القذافي. واتضح أن العقيد القذافي عرض في ذلك اللقاء مع السياسيين الجنوبيين المرموقين استعداده لتزويدهم بالمال والسلاح لفصل الجنوب!!. وهذا يعني أن العقيد القذافي الذي حمل ألقاب أمين القومية العربية والقائد الأممي وملك ملوك أفريقيا، والذي كثيراً ما دعا لوحدة أفريقيا وإقامة الولاياتالمتحدة الأفريقية على غرار الولاياتالمتحدةالأمريكية، كان يعمل منذ ذلك الوقت من منتصف سبعينيات القرن الماضي على تفتيت وحدة القارة الأفريقية وتقسيم دولها إلى كيانات أصغر. وكانت حجة القذافي الواهية في ذلك الوقت هي أن الجنوب بتركيبته السكانية المختلفة يشكل عقبة تحول بين السودان وبين دخوله في أي شكل من أشكال الوحدة العربية، وقد كانت للقذافي في ذلك الوقت محاولات لتحقيق الوحدة مع كل من مصر والسودان. وحتى لو كان ذلك صحيحاً، فمن الخطأ أن تجزئ وطناً قائماً بالفعل لتقيم وطناً آخر لا يعلم أحد فرص نجاحه. لقد كان العقيد القذافي يعمل على فصل الجنوب قبل فرانكفورت وقبل أسمرا وقبل نيفاشا، وكان السياسيون السودانيون على اختلاف أحزابهم يعرفون ذلك، ولم يجرأوا على أن يقولوا له إنهم يرفضون ذلك. ولقد انقسم السودان بالفعل إلى دولتين، ومسؤولية ذلك هي مسؤوليتنا جميعاً في الشمال والجنوب، وكان للعقيد القذافي نصيب من هذه المسؤولية. فالحمد لله طوال الوقت على سقوطه المهين.