القاعدة هي أن الفترة التي يعيشها الرئيس - أي رئيس - حاكماً، أقصر من تلك التي عاشها قبل أن يصبح رئيساً ومن تلك الفترة التي قد يعيشها بعد أن يبتعد أو يُبعد من الحكم، سواء بالموت أو الانقلاب أو الثورة أو السقوط في الانتخابات.. وبالنسبة للملوك تختلف المسألة، فالملك قد يولد ولياً للعهد ثم فى ما بعد يصبح ملكاً. وقد عاش الرئيس الهارب معمر القذافي اثنين وأربعين عاماً من عمره رئيساً، وعاش مواطنا (27) سنة فقط، وهي الفترة التى سبقت وصوله إلى الحكم بالانقلاب العسكري الذي قاده ونفذه مع الضباط الأحرار مطلع سبتمبر 1969م.. وعندما كان مواطناً عادياً، طفلاً وصبياً وتلميذاً وشابا وضابطاً فى القوات المسلحة، فإنه - شأنه في ذلك شأن المواطنين جميعاً - كان كثير الالتصاق بالشعب، وكان من صميمه، يعرف ويتعامل مع ما يدور في مجتمعه وفي الشوارع والأسواق والميادين والحارات والزنقات، ولم يكن يجامله أحد، إذ لم تكن لديه خيل يهديها ولا مال، ولم يكن يخافه أحد، ولذلك فإنه كان أقرب إلى الوصول إلى الحقيقة، حقيقة بلده.. اقتصاده وسياسته ورياضته وفنه وحقيقة الواقع الذى كان يعاشره الليبيون.. ولما كانت هذه الفترة التي عاشها معمر القذافي مواطناً قصيرة للغاية، فإن معرفته بليبيا والليبيين وبالعالم العربي من حولها والقارة الأفريقية والدنيا كانت قاصرة، ولذلك فإنه عندما جاء إلى الحكم فى سبتمبر 1969م وعمره 27 سنة كان ينقصه الكثير، وكان ما ينقصه يحول بينه وبين أن يكون مواطناً ناضجاً مستنيراً.. لكنه فى ذلك العمر الغض وجد أو فرض نفسه رئيساً لدولة عربية بترولية، ووجد نفسه يجلس في أي محفل وأي قمة عربية أو أفريقية على قدم المساواة مع رؤساء وملوك كان فيهم بعض المخضرمين المجربين الذين عركتهم الحياة والسياسة. ولما أصبح العقيد معمر القذافي في ذلك الوقت المبكر من عمره فى سبتمبر 69 رئيساً للجمهورية، فإن جلال المنصب وهيبته والتزاماته ومسؤوليته.. ذلك كله جعل الذين يتعاملون معه داخل ليبيا يتعاملون بنفس الطريقة التي تتعامل بها الشعوب والدائرة الضيقة الملتفة حول الرئيس.. تصفيق بمناسبة وبغير مناسبة وتطبيل وهتافات بمجرد ظهوره وخوف ونفاق وحجب لنبض الشارع، تضطلع به الدائرة المحيطة به، ولا يقدم له طوال حياته رئيساً ما ينبغي أن يلم به. إذن فقد كان للعقيد القذافي دور في وصوله إلى ما وصل إليه، ولكن كان للشعب الليبي دور وكان للمقربين منه دور وكان لبعض المثقفين والكتاب والصحفيين العرب دور.. وسبحان مالك الملك يعز من يشاء ويذل من يشاء.. وتلك الأيام نداولها بين الناس.. ولكن لا أحد يتعظ سواء كان ذلك الأحد هو الشعب أو الذين حول الرئيس أو الرئيس نفسه.