إن غياب الحوار والتسامح والوئام بين الأفراد والجماعات له نتائجه المأساوية. فإن كان الاختلاف بين الناس حكمة إلهية، كذلك نجد أن الجدال بالتي هي أحسن هو نعمة من نعم الله علينا. إن إشاعة مناخ السلام نبذ لثقافة العنف والصدام وكل ما يذكي نار التعصب، فالصدام يغذي الاحتقان الذي يسوغ الحقد اللا عقلاني ويولد الكراهية والتطرف، فإعمال العقل المعرفي التنويري أمر لا مندوحة عنه لاستئصال الثقافة العدوانية. إن ثقافة العنف تؤدي بصاحبها إلى التدمير، وبحسب المؤلف إريك فروم، فإن التدمير أشد أنواع العدوان الهجومي تطرفاً وهو لا يوجد إلا في نسبة قليلة نسبياً من المجتمعات والشخصيات البشرية وفي نمط العدوان التدميري يكون هدف الفرد أو الجماعة هو قتل الآخر وتحويله إلى جثة مشوهة. هذا السلوك العدواني يشابه بصورة ما غريزة العنف لدى الحيوان، ولكن نزعة متعة القتل ليست موجودة لدى الحيوان بقدر ما هي متلبسة بالإنسان الذي ينحدر بنزعته إلى التطرف وترويع الآخر بما هو فادح ومفجع والوصول في بعض الأحيان إلى انتهاك حرمة النفس بادعاء أن لها مرجعية. هذا السلوك العدواني لابد أن تكون له حاضنة من تفاعلات مشوهة لما هو سياسي أو اجتماعي يحركها للقهر والتخلف والفقر وهو (مثلث الشر)!! إن هذا النفر من العدوانيين لهم مسلمات خاطئة في فهمهم للآخر، إن طبائع الاستبداد هي التي تطلق التشدد ونزعات التعصب من عقالها وتؤدي بذلك إلى فتنة أو محنة، وحتى لا يصل التعصب ذروته وتهدر طاقة التفكير بانطلاق طاقة التدمير. فعلينا ألا نهدر إنسانية الإنسان بل نعترف به كياناً وقيمة وحقوقاً وحصانة. إن قهر الإنسان هو هدر واستباحة لحياته فالسيطرة على الإنسان لا على الواقع، تولد الكثير من الروح العدائية العصبية والعرقية والقبلية والسياسية والاجتماعية. لابد من التصدي لمستصغر الشرر بالإلحاح على ثقافة الحوار وإعلاء سلطان العقل وقوة المعرفة كضرورة تاريخية وحضارية.