{ حدَّثني أحد العائدين أمس (الأحد) من ولاية أعالي النيل بجنوب السودان، أنَّ أسعار السلع الاستهلاكيَّة وصلت أرقاماً فلكيَّة، بل خرافيَّة، تساوي أضعاف أسعارها في (الشمال)، حيث بلغ سعر جوال البصل في مدينة «ملكال» أكثر من (ألف جنيه)..!! أي (مليون جنيه) بعملتنا.. وعملتهم القديمة!! بينما يبلغ سعر قارورة المياه (4) جنيهات وعبوة (البيبسي) الصغيرة (6) جنيهات، كيلو الدقيق: (20) جنيهاً، وطلب الفول: (6) جنيهات، فيما قفزت قيمة برميل الجازولين إلى (2000) جنيه.. ألفي جنيه!! مما أدَّى إلى انقطاع تام ومستمر في خدمة الكهرباء في حاضرة ولاية أعالي النيل بجمهوريَّة جنوب السودان..!! { إنَّه وضعٌ مأساويٌ.. بل هي (مجاعة) حقيقيَّة يعاني منها أهلنا في دولة (جنوب السودان) المستقلة حديثاً. { وحكومة دولة الجنوب لا تبدو مهتمَّة بأوضاع المواطنين، وتدهور الحال المعيشيَّة إلى أسوأ مما كانت عليه الأوضاع في أيام الحرب، عندما كانت (الحركة) وجيشها الشعبي يقاتلان سياسيَّاً وعسكريَّاً لأكثر من عشرين عاماً من أجل الحصول على حق (تقرير المصير) لفصل جنوب السودان عن شماله..!! { هل فصلت (الحركة الشعبيَّة) الجنوب من أجل تجويع شعب الجنوب؟! وأين أمريكا.. وبريطانيا.. والنرويج.. وفرنسا.. أين أوغندا وكينيا وجنوب أفريقيا وغيرها من الدول التي ساندت بقوة انفصال جنوب السودان؟! أين معوناتهم.. ومساعداتهم.. وأين المعونة الأمريكيَّة.. واجهة المخابرات المركزيَّة في دول العالم الثالث؟! { كيف يعيش الناس في «جوبا»، و«بور» و«واو»، و«كبويتا»، و«توريت»، هل يأكلون أوراق الشجر؟! هل عادوا إلى نمط الحياة البدائيَّة التي مضت قبل عقود طويلة من الزمان؟ { لا نريد أن نقف في شمال السودان (شامتين) على ما يلاقيه أهلنا - أكرِّر أهلنا - في جنوب السودان، ولكنَّنا في أشد الحيرة والغيظ والغضب من استهانة حكومة الجنوب - برئاسة «سلفاكير ميارديت» - بآلام ومعاناة بل ومجاعة المواطنين في الجنوب، وتفرُّغها لإدارة (أعمال عدائيَّة) ضد جمهوريَّة السودان، بينما كان الأوجب أن تتفرَّغ قليلاً لمعالجة أزمات بناء الدولة الحديثة، وتوفير الغذاء، والكساء، والصحَّة والتعليم لشعب الجنوب. { ماذا يستفيد (الجنوب) من وجود (حركة شعبيَّة) في جنوب كردفان، أو النيل الأزرق بشمال السودان؟! ماذا يكسب المواطن العادي الجائع والمريض في «ملكال»و«جوبا» إذا كسب «عبد العزيز الحلو» الانتخابات في جنوب كردفان أو خسرها؟! لماذا تهدر حكومة الجنوب ما لديها من أموال على الإنفاق العسكري ودعم مليشيات «مالك عقار» في حرب خاسرة بالتأكيد، مهما تطاولت بها الأيام؟! { المواطن (الجنوبي) يريد خبزاً.. يريد ماءً.. يريد صحة.. يريد كهرباء.. يريد تعليماً.. ولا يمكن أن يتوفَّر كل ذلك إلا بالتعاون الإيجابي المثمر بين دولتي (الشمال) و(الجنوب)، فأمريكا لن تفعل شيئاً لحكومة الجنوب غير أن تتفرَّج على (المجاعة)، وتدعو منظَّمات الأممالمتحدة إلى إغاثة المحتاجين، كما يحدث الآن في الصومال.. أمريكا لا تدفع..أمريكا لا تطعم.. وأمريكا مشغولة حاليَّاً بأزماتها الداخليَّة الاقتصاديَّة الكارثيَّة. { نحن ندعو بقلب وعقل مفتوح إلى فتح الحدود بين دولتي (الشمال) و(الجنوب)، وعدم تجويع أهلنا الجنوبيين، بعد توقيع اتفاقيَّات للتجارة على الحدود، وتسريع وتيرة المفاوضات لإيجاد تسوية عادلة للطرفين في ما يتعلق بملف البترول. { ليس من مصلحة (الشمال) أن يجوع الجنوب، وليس من مصلحة (الجنوب) أن يتأثَّر اقتصاد الشمال.. ولكن متى تفهم حكومة الجنوب.. متى؟!